مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٦٤
مسح ولا يكفيه لو غسل لا يجب عليه لبس الخف ليمسح عليه لما فيه من إحداث فعل زائد ربما يشق عليه، وفرق أيضا بأنه في صورة الإدامة تعلق به وجوب الطهارة، فهو قادر على أداء طهارة وجبت عليه بالماء باستصحاب حالة هو عليها، وفي صورة اللبس لم يجب عليه الطهارة لأن الحدث لم يوجد، فلا وجه لتكليفه الاتيان بفعل مستأنف لأجل طهارة لم تجب بعد.
وخرج بالوضوء إزالة النجاسة والغسل واجبا كان أو مندوبا فلا مسح فيهما، أما الغسل الواجب فلخبر الجنابة الآتي، وأما باقي الأغسال وغسل النجاسة فبالقياس، ولان ذلك لا يتكرر تكرر الحدث الأصغر. (للمقيم) ولو عاصيا بإقامته، وللمسافر سفرا قصيرا أو طويلا وهو عاص بسفره، وكذا كل سفر يمتنع فيه القصر. (يوما وليلة) فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالوضوء في هذه المدة. (وللمسافر) سفر قصر (ثلاثة) من الأيام (بلياليها) فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالوضوء في هذه المدة، ودليل ذلك الخبر السابق أول الباب، وخبر مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت علي بن أبي طالب عن المسح على الخفين، فقال: جعل رسول الله (ص) ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم. والمراد بلياليها ثلاث ليال متصلة بها سواء أسبق اليوم الأول ليلته أم لا، فلو أحدث في أثناء الليل أو اليوم اعتبر قدر الماضي منه من الليلة الرابعة أو اليوم الرابع، وعلى قياس ذلك يقال في مدة المقيم وما ألحق به. فإن قيل: كان ينبغي للمصنف أن يقيد السفر بسفر القصر كما قيدته به. أجاب الشارح بأن مسح المسافر ثلاثة يستدعي أن يكون سفره قدرها ولو ذهابا وإيابا اه‍. فاستغنى بذلك عن التقييد، ومعلوم أنه لا بد أن يكون السفر مباحا. ويندفع بقولي: والمراد بلياليها إلخ ما قيل إن ليلة اليوم هي المتقدمة عليه لا المتأخرة عنه، فالمسافر يمسح ثلاثة أيام وثلاث ليال مطلقا كما يمسح المقيم يوما وليلة كذلك، ولا يؤخذ ذلك من التعبير بلياليها إلا على تقدير وقوع ابتداء المدة عن الغروب دون ما إذا كان عند الفجر. وشمل إطلاقه دائم الحدث كالمستحاضة، فيجوز له المسح على الخف على الصحيح لأنه لا يحتاج إلى لبسه والارتفاق به كغيره، ولأنه يستفيد الصلاة بطهارته فيستفيد المسح أيضا، وقيل: لا يجوز له، لأن طهارته ضعيفة والمسح ضعيف، فلا يضم ضعيف إلى ضعيف. وعلى الأول لو أحدث بعد لبسه غير حدثه الدائم قبل أن يصلي بوضوء اللبس فرضا مسح لفريضة ولنوافل، وإن أحدث وقد صلى بوضوء اللبس فرضا لم يمسح إلا لنفل لأن مسحه مرتب على طهره وهو لا يفيد أكثر من ذلك، فإن أراد فريضة أخرى وجب نزع الخف والطهر الكامل لأنه محدث بالنسبة إلى ما زاد على فريضة ونوافل فكأنه لبس على حدث حقيقة فإن طهره لا يرفع الحدث على المذهب، أما حدثه الدائم فلا يحتاج معه إلى استئناف طهر إلا إذا أخر الدخول في الصلاة بعد الطهر لغير مصلحتها وحدثه يجري فإن طهره يبطل كما سيأتي في باب الحيض إن شاء الله تعالى. فإن قيل: اللبس يمنع المبادرة. أجيب بأنه قد يكون في زمن الاشتغال بأسباب الصلاة، والمتحيرة تمسح عند عدم وجوب الغسل عليها. وابتداء مدة المسح (من) تمام (الحدث بعد لبس) لأن وقت جواز المسح، أي الرافع للحدث، يدخل بذلك فاعتبرت مدته منه، فإذا أحدث ولم يمسح حتى أنقضت المدة لم يجز المسح حتى يستأنف لبسا على طهارة، أو لم يحدث لم تحسب المدة ولو بقي شهرا مثلا لأنها عبادة مؤقتة، فكان ابتداء وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة، هكذا استدل بهذا الرافعي وغيره.
وربما يفهم منه أنه لا يجوز للابس الخف أن يجدد الوضوء قبل الحدث مع أنه قيل بجوازه مع الكراهة، وقيل باستحبابه، وهو الأصح كما جزم به المصنف في التنقيح والمجموع. ويندفع هذا التوهم بما قدرته تبعا لغيري. وقال الكمال بن أبي شريف: لما كانت مدة جواز المسح هي مدة جواز الصلاة وقبل الحدث لا يتصور استناد جواز الصلاة إلى المسح كان ابتداء المدة ما ذكر فلا يرد المسح في الوضوء المجدد قبل الحدث، فإنه وإن جاز ليس محسوبا من المدة، لأن جواز الصلاة ونحوها ليس مستندا إليه اه‍. وأفهم كلام المصنف أنه لو توضأ بعد حدث وغسل رجليه في الخف ثم أحدث كان ابتداء مدته من حدثه الأول، وهو كذلك، وبه صرح الشيخ أبو علي في شرح الفروع. واختار المصنف في مجموعه أن ابتداء المدة من المسح لأن قوة الأحاديث تعطيه. وعلم من تقدير تمام أن المدة لا تحسب من ابتداء الحدث، وهو كذلك. نعم أفتى شيخي بأن الحدث بالنوم تكون المدة من ابتدائه لأنه ربما يستغرق غالب المدة ومثله اللمس والمس، والظاهر إطلاق كلام الأصحاب. (فإن مسح) بعد الحدث (حضرا) على خفيه أو على أحدهما كما صححه المصنف. (ثم سافر) سفر
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532