مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٥٨
ماء الوضوء. وإنما لم يجبا لما مر في البسملة. وأما خبر: تمضمضوا واستنشقوا فضعيف. وعلم بما قدرته وبما سيشير إليه بعد ذلك بقوله: ثم الأصح إلخ إن الترتيب مستحق لا مستحب، عكس تقدم اليمنى على اليسرى. وفرق الروياني بأن اليدين مثلا عضوان متفقان اسما وصورة، بخلاف الفم والأنف، فوجب الترتيب بينهما كاليد والوجه، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة حسبت دونه، أو أتى به فقط حسب له دونها، أو قدمه عليها فقضية كلام المجموع أن المؤخر يحسب. قال بعضهم:
وهو الوجه كنظائره في الصلاة والوضوء. وقال في الروضة: لو قدم المضمضة والاستنشاق على غسل الكف لم يحسب الكف على الأصح. قال الأسنوي: وصوابه ليوافق ما في المجموع لم يحسب المضمضة والاستنشاق على الأصح. والمعتمد كما قاله شيخي ما في الروضة. قال: لقولهم في الصلاة: الثالث عشر ترتيب الأركان، خرج السنن فيحسب منها ما أوقعه أولا فكأنه ترك غيره فلا يعتد بفعله بعد ذلك، كما لو تعوذ ثم أتى بدعاء الافتتاح. ومن فوائد غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق أولا: معرفة أوصاف الماء، وهي: اللون والطعم والرائحة هل تغيرت أو لا، ويسن أخذ الماء باليد اليمنى.
(والأظهر أن فصلهما أفضل) من جمعهما الآتي، لما رواه أبو داود: أنه (ص) فصل بينهما. (ثم الأصح) على هذا الأفضل، (يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا) حتى لا ينتقل من عضو إلى عضو إلا بعد كمال ما قبله، فذلك أفضل من الفصل بست غرفات. والثاني: أن الست غرفات أفضل بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث، وهذه أنظف الكيفيات وأضعفها. وقدم الفم على الانف لشرفه فإنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام البدن وهو محل الأذكار الواجبة والمندوبة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك. (ويبالغ فيهما غير الصائم) لقوله (ص) في رواية صحح ابن القطان إسنادها: إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما، ولحديث لقيط بن صبرة: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما صححه الترمذي وغيره.
والمبالغة في المضمضة أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات، ويسن إمرار أصبع يده اليسرى على ذلك، وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم، ويسن إدارة الماء في الفم ومجه، وكذا الاستنثار، وللامر به في خبر الصحيحين، وهو أن يخرج بعد الاستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى بخنصر يده اليسرى. وإذ بالغ في الاستنشاق فلا يستقصي فيصير سعوطا لا استنشاقا، قاله في المجموع: وأما الصائم فلا يسن له المبالغة، بل تكره لخوف الافطار كما في المجموع. وقال الماوردي والصيمري: يبالغ في المضمضة دون الاستنشاق، لأن المتمضمض متمكن من رد الماء عن وصوله إلى جوفه بطبق حلقه، ولا يمكن دفعه بالخيشوم. فإن قيل: لم لم يحرم ذلك كما قالوا بتحريم القبلة إذا خشي الانزال، مع أن العلة في كل منهما خوف الفساد، ولذا سوى القاضي أبو الطيب بينهما فجزم بتحريم المبالغة أيضا؟ أجيب بأن القبلة غير مطلوبة بل داعية لما يضاد الصوم من الانزال، بخلاف المبالغة فيما ذكر، وبأنه هنا يمكنه إطباق الحلق ومج الماء، وهناك لا يمكنه رد المني إذا خرج لأنه ماء دافق، وبأنه ربما كان في القبلة إفساد لعبادة اثنين. (قلت الأظهر تفضيل الجمع) بين المضمضة والاستنشاق على الفصل بينهما، لصحة الأحاديث الصريحة في ذلك. ولم يثبت في الفصل شئ كما قاله ابن الصلاح والمصنف في المجموع. وأما حديث أبي داود والمتقدم ففي إسناده ليث بن أبي سليم وقد ضعفه الجمهور، وعلى تقدير صحته يحمل على بيان الجواز جمعا بين الأحاديث. و (بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق) أفضل من الجمع بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا أو يتمضمض منها ثم يستنشق مرة كذلك ثانية وثالثة.
(والله أعلم) للأخبار الصحيحة في ذلك. الثاني: الأفضل أن يتمضمض منها ثم يستنشق منها ثم يفعل منها كذلك ثانيا وثالثا، واستحسنه في الشرح الصغير، والسنة تتأدى بواحدة من هذه الكيفيات لما علم أن الخلاف في الأفضل منها، ولو قال: وبثلاث بالواو كما قدرته لأفاد ما صححه في المجموع من أن الجمع مطلقا أفضل من الفضل كذلك.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532