مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٥٣٣
بالنسبة إلى أداء النسك كما قاله بعض المتأخرين، فنحوا لدرهمين والثلاثة لا يتحلل من أجلها. ويكره بذل مال لكافر لما فيه من الصغار بلا ضرورة، ولا يحرم كما لا تحرم الهبة لهم. أما المسلمون فلا يكره بذله لهم، والأولى قتال الكفار عند القدرة عليه ليجمعوا بين الجهاد ونصرة الاسلام وإتمام النسك. فإن قيل: لم لم يجب إذا كانوا مثلينا فأقل؟
أجيب بأنه لا يجب الثبات لهم في غير الصف كما قالوه في السير، ويجوز للمحسر إذا أراد القتال لبس الدرع ونحوه ويفدي وجوبا كما لو لبسه المحرم لدفع حر أو برد، والأولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل، وكذا للحاج إن اتسع الوقت، وإلا فالأولى التعجيل لخوف الفوات. نعم إن كان في الحج وتيقن زوال الحصر في مدة يمكنه إدراك الحج بعدها أو في العمرة وتيقن قرب زواله، وهو ثلاثة أيام، امتنع تحلله كما قاله الماوردي. قال الأذرعي: والظاهر أن المراد باليقين هنا الظن الغالب، واستشهد له بنص في البويطي. فإن قيل: ما فائدة التحلل فيما إذا أحاط بهم العدو من الجوانب كلها؟ أجيب بأنهم يستفيدون به الامن من العدو الذي بين أيديهم. قال الأسنوي: وهذا يقتضي تقييد المسألة بما إذا كان المانعون فرقا متميزة لا تعضد كل واحدة الأخرى، فإن كان المانعون لجميع الجوانب فرقة واحدة لم يجز التحلل فتفطن له اه‍.
والمعتمد إطلاق كلام الأصحاب لما في مصابرة الاحرام مع عدم تمكنهم من إتمام النسك من المشقة كما مر.
تنبيه: كلام المصنف يتناول من أحصر عن الوقوف دون البيت وعكسه، وهو كذلك لكنه لا يتحلل في الحال، ففي الأولى يدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة كما في أصل الروضة في آخر الباب، وفي الثانية يقف ثم يتحلل كما في المجموع عن الماوردي وأقره، وفي الصورتين لا قضاء. وخرج بالأركان ما لو منع من الرمي والمبيت فلا يجوز له التحلل لتمكنه من التحلل بالطواف والسعي والحلق ويجزئه عن نسكه، والرمي والمبيت بجبران بالدم. واستنبط البلقيني رحمه الله تعالى من الاحصار عن الطواف أن الحائض إذا لم تطف للإفاضة ولم يمكنها الإقامة حتى تطهر وجاءت بلدها وهي محرمة وعدمت النفقة ولم يمكنها الوصول إلى البيت أنها كالمحصر فتتحلل بالنية والذبح والتقصير، وأيده بأن في المجموع عن صاحب الفروع والروياني وغيرهما فيمن صد عن طريق ووجد آخر أطول إن لم يكن معه نفقة تكفيه لذلك الطريق فله التحلل، وذكر البارزي نحو ذلك، واستحسنه الولي العراقي. وقد قدمت التنبيه على هذه المسألة، وإنما أعدتها لئلا يغفل عنها فإنها مسألة كثيرة الوقوع فيتفطن لها. وكلام المصنف يفهم أنه إذا أحصر جاز له التحلل، وإن كان له طريق آخر يمكنه سلوكه ووجد شرائط الاستطاعة فيه، وليس مرادا بل يلزمه سلوك ذلك الطريق، سواء أطال الزمان أم قصر وإن تيقن الفوت، ويتحلل بعمل عمرة كما نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى وجرى عليه الأصحاب، فلو فاتهم الحج لطول الطريق المملوك ونحوه لم يجب القضاء، ولا فرق فيما ذكر بين حصر الكل أو البعض ولو واحدا.
(وقيل لا تتحلل الشرذمة) بمعجمة، وهي طائفة أحصرت من بين الرفقة، لأن الحصر لم يعم الكل، فأشبه المرض وخطأ الطريق. والصحيح الجواز كما في الحصر العام لأن مشقة كل واحد لا تختلف بين أن يتحمل غيره مثلها أو لا يتحمل. وأما الحصر الخاص، وهو المانع الثاني بأن حبس ظلما، كأن حبس بدين وهو معسر به، فإنه يجوز له أن يتحلل كما في الحصر العام لما مر. فإن قيل: قول الأصحاب إن المفلس المحبوس ظلما يتحلل لأن في بقائه على الاحرام مشقة كما في حصر العدو مشكل، لأنه إذا حبس تعديا لم يستفد بالتحلل الخلاص مما هو فيه كالمريض، ولحوق المشقة بالبقاء على الاحرام غير معتبر، إذ هو موجود في المريض بل حال المريض آكد، فلا وجه للتحلل بالحبس.
أجيب بأن المرض لا يمنع الاتمام، فالمريض متمكن من إتمام النسك معه فلم يبح له إلا بشرط ولا كذلك هنا، أما إذا حبس بحق، كأن حبس بدين متمكن من أدائه فلا يجوز له التحلل بل عليه أن يؤديه ويمضي في نسكه، فلو تحلل لم يصح تحلله، فإن فاته الحج في الحبس لم يتحلل إلا بعمل عمرة بعد إتيانه مكة كمن فاته الحج بلا إحصار. (ولا تحلل بالمرض) ونحوه كضلال طريق وفقد نفقة، لأنه لا يفيد زوال المرض ونحوه، بخلاف التحلل بالاحصار، بل يصبر حتى يزول عذره، فإن كان محرما بعمرة أتمها، أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة، قال الماوردي: وهو إجماع الصحابة. هذا
(٥٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532