مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٥٠
الشهادة عليهم والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم. فإن قيل: الأنبياء والمرسلون أفضل من الشهداء مع أنه يصلى عليهم. أجيب بأن الشهادة فضيلة تكتسب فرغب فيها ولا كذلك النبوة والرسالة. (وهو) أي الشهيد الذي يحرم عليه غسله والصلاة عليه، ضابطه أن كل (من مات) ولو امرأة أو رقيقا أو صغيرا أو مجنونا (في قتال الكفار) أو الكافر الواحد، سواء أكانوا حربيين أم مرتدين أم أهل ذمة قصدوا قطع الطريق علينا أو نحو ذلك (بسببه) أي القتال، سواء قتله كافر، أم أصابه سلاح مسلم خطأ، أم عاد إليه سلاحه، أم تردى في بئر أو وهدة، أم رفسته دابته فمات، أم قتله مسلم باغ استعان به أهل الحرب كما شمله قتال الكفار، أم قتله بعض أهل الحرب حال انهزامهم انهزاما كليا بأن تبعهم فكروا عليه فقتلوه وإن لم تشمله عبارة المصنف أو اتباعه لهم لاستئصالهم، فكأنه قتل في حال القتال، أم قتله الكفار صبرا، أم انكشفت الحرب عنه ولم يعلم سبب قتله وإن لم يكن عليه أثر دم، لأن الظاهر أن موته بسبب القتال كما جزما به. فإن قيل: ينبغي أن يخرج ذلك على قول الأصل والغالب، إذ الأصل عدم الشهادة، والغالب أن من يموت بالمعترك أنه مات بسبب من أسباب القتال. أجيب بأن السبب الظاهر يعمل به ويترك الأصل كما إذا رأينا ظبية تبول في الماء ورأيناه متغيرا فإنا نحكم بنجاسته مع أن الأصل طهارة الماء. (فإن مات بعد انقضائه) أي القتال بجراحة فيه يقطع بموته منها وفيه حياة مستقرة فغير شهيد في الأظهر، سواء أطال الزمان أم قصر، لأنه عاش بعد انقضاء الحرب فأشبه ما لو مات بسبب آخر، والثاني: أنه يلحق بالميت في القتال. أما لو انقضى القتال و حركة المجروح فيه حركة مذبوح فشهيد قطعا أو توقعت حياته فليس بشهيد قطعا. (أو) مات عادل (في قتال البغاة) له (فغير شهيد في الأظهر) لأنه قتيل مسلم، فأشبه المقتول في غير القتال، وقد غسلت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولم ينكر عليها أحد. نعم لو استعان البغاة بكفار فقتل كافر مسلما فهو شهيد كما قاله القفال في فتاويه، والثاني وصححه السبكي: أنه شهيد لأنه كالمقتول في معركة الكفار، ولان عليا رضي الله تعالى عنه لم يغسل من قتل معه. أما إذا كان المقتول من أهل البغي فليس بشهيد جزما، فقوله في الأظهر راجع للمسألتين كما تقرر. (وكذا) لو مات (في القتال لا بسببه) أي القتال، كموته بمرض أو فجأة أو قتله مسلم عمدا فغير شهيد، (على المذهب) لأن الأصل وجوب الغسل والصلاة عليه، خالفنا فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال ترغيبا للناس فيه، فبقي ما عداه على الأصل.
وقيل إنه شهيد لأنه مات في معركة الكفار.
فائدة: الشهداء كما قال في المجموع ثلاثة: الأول: شهيد في حكم الدنيا بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وفي حكم الآخرة بمعنى أن له ثوابا خاصا، وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وسمي بذلك لمعان: منها أن الله سبحانه وتعالى ورسوله شهدا له بالجنة، ومنها أنه يبعث وله شاهد بقتله وهو دمه لأنه يبعث وجرحه يتفجر دما، ومنها أن ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه. والثاني: شهيد في حكم الدنيا فقط، وهو من قتل في قتال الكفار بسببه، وقد غل من الغنيمة، أو قتل مدبرا، أو قاتل رياء أو نحوه. والثالث: شهيد في حكم الآخرة فقط كالمقتول ظلما من غير قتال، والمبطون إذا مات بالبطن، والمطعون إذا مات بالطاعون، والغريق إذا مات بالغرق، والغريب إذا مات في الغربة، وطالب العلم إذا مات على طلبه، أو مات عشقا أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك. واستثنى بعضهم من الغريب العاصي بغربته كالآبق والناشزة، ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه عدم السلامة أو استوى الأمران أو ركبه لشرب خمر، ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا، والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة، وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة. نعم الميت عشقا شرطه العفة والكتمان لخبر: من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا، وإن كان الأصح وقفه على ابن عباس. قال شيخنا: ويجب أن يراد به من يتصور إباحة نكاحها له شرعا ويتعذر الوصول إليها كزوجة الملك، وإلا فعشق المرد معصية، فكيف تحصل بها درجة الشهادة اه‍. والظاهر أنه لا فرق
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532