مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢٩
فإن ظنها من الأول واتحدت المغرفة ولم تغسل بين الاغترافين حكم بنجاستهما، وإن ظنها من الثاني أو من الأول واختلفت المغرفة أو اتحدت وغسلت بين الاغترافين حكم بنجاسة ما ظنها فيه، ولو اشتبه عليه إناء بول بأواني بلد أو ميتة بمذكاة أخذ منها ما شاء بغير اجتهاد إلا واحدا، كما لو حلف لا يأكل ثمرة بعينها فاختلطت بثمر فأكل الجميع إلا ثمرة لم يحنث. ولو رفع نحو كلب رأسه من إناء وفيه ماء قليل أو مائع اخر وفمه رطب لم يضر لأن الأصل الطهارة هذا ان احتمل ترطبه من غيره والا ضر ولو غلبت النجاسة في شئ، والأصل فيه الطهارة، كثياب مدمني الخمر ومتدينين بالنجاسة كالمجوس ومجانين وصبيان - بكسر الصاد أشهر من ضمها وجزارين حكم له بالطهارة عملا بالأصل. وكذا ما عمت به البلوى من ذلك كعرق الدواب ولعابها، ولعاب الصبي، والحنطة التي تداس، والثور يبول عليها، والجوخ وقد اشتهر استعماله بشحم الخنزير. ومن البدع المذمومة غسل ثوب جديد وقمح وفم من أكل نحو خبز وترك مؤاكلة الصبيان لتوهم نجاستها - قاله في العباب - والبقل النابت في نجاسة متنجس لا مرتفع عن منبته فإنه طاهر. ولو وجد قطعة لحم في إناء أو خرقة ببلد لا مجوس فيه فطاهرة، أو مرمية مكشوفة فنجسة، أو في إناء أو خرقة والمجوس بين المسلمين ولم يكن المسلمون أغلب فكذلك، وإن كان المسلمون أغلب فطاهرة، وكذا إذا استويا فيما يظهر. (ويحل استعمال) واقتناء (كل إناء طاهر) في الطهارة وغيرها بالاجماع، أي من حيث أنه طاهر فلا يرد المغصوب وجلد الآدمي، لأن تحريمهما لمعنى آخر، وهو تحريم استعمال ملك الغير إلا برضاه، وانتهاك حرمة جلد الآدمي، وقد توضأ (ص) من جلد ومن قدح من خشب ومن مخضب من حجر ومن إناء من صفر، وكره بعضهم الأكل والشرب من الصفر. قال القزويني: اعتياد ذلك يتولد منه أمراض لا دواء لها، وخرج بالطاهر النجس كالمتخذ من ميتة فيحرم استعماله فيما ينجس به كماء قليل ومائع لا فيما لا ينجس به كماء كثير أو غيره مع الجفاف، لكن يكره في الثاني. فالمفهوم فيه تفصيل، فقد خالف حكمه حكم المنطوق. (إلا ذهبا وفضة) أي إناءهما المعمول منهما أو من أحدهما، (فيحرم) استعماله على الرجل والمرأة والخنثى بالاجماع، ولقوله (ص):
لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها متفق عليه. ويقاس غير الأكل والشرب عليهما، وإنما خصا بالذكر لأنهما أظهر وجوه الاستعمال وأغلبها. ويحرم على الولي أن يسقي الصغير بمسعط من إنائهما، ولا فرق بين الاناء الكبير والصغير، حتى ما يخلل به أسنانه والميل إلا لضرورة كأن يحتاج إلى جلاء عينه بالميل فيباح استعماله والوضوء منه صحيح.
والمأخوذ منه من مأكول أو غيره حلال، لأن التحريم للاستعمال لا لخصوص ما ذكر. ويحرم التطيب بماء الورد ونحوه من إناء مما ذكر، والتبخر بالاحتواء على مجمرة منه، أو إتيان رائحتها من قرب لا من بعد. قال في المجموع: وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أن يتطيب بها، ولو بخر ثيابه بها أو قصد تطيب البيت فمستعمل. قال في المجموع: والحيلة في الاستعمال أن يخرج الطعام من الاناء إلى شئ بين يديه كقشرة رغيف ثم يأكله ويصب الماء في شئ ولو في يده التي لا يستعمله بها، فيصبه أولا في يده اليسرى ثم في اليمنى ثم يستعمله ويصب ماء الورد في يساره ثم ينقله إلى يمينه ثم يستعمله، ويحرم البول في الاناء منهما أو من أحدهما، ولا يشكل ذلك بقولهم: يجوز الاستنجاء بالذهب والفضة، لأن الكلام هناك في قطعة ذهب أو فضة، وهنا في إناء هي منهما لذلك. واستثنى في شرح المهذب الذهب إذا صدئ، ولكن فيه التفصيل الذي في التمويه بنحاس ونحوه. (وكذا) يحرم (اتخاذه) أي اقتناؤه من غير استعمال، (في الأصح) لأن ما لا يجوز استعماله للرجال ولا لغيرهم يحرم اتخاذه كآلة الملاهي. والثاني: لا يحرم، لأن النهي الوارد إنما هو في الاستعمال لا الاتخاذ، وليس كآلة الملاهي، لأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها لفقد ما يقوم مقامها بخلاف الأواني، ولا أجرة لصنعته، ولا أرش لكسره كآلة اللهو.
فائدة: جمع الاناء: آنية كسقاء وأسقية، وجمع الآنية أوان، ووقع في الوسيط إطلاق الآنية على المفرد وليس بصحيح.
ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت بآنية النقدين على الأصح في الروضة وشرح المهذب، ويحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة. (ويحل المموه) أي المطلي بذهب أو فضة، ومنه تمويه القول: أي تلبيسه. فإن موه غير النقد كإناء نحاس وخاتم وآلة حرب منه بالنقد ولم يحصل منه شئ ولو بالعرض على النار، أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شئ من المموه به أو الصدأ، حل استعماله (في الأصح) لقلة المموه به في الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء في الثانية، فإن حصل شئ
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532