مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢٨
وكأنه رأى كالرافعي أن هذه الأشياء تخرج بتأييد الاجتهاد بالأصل فاكتفى به. وشرط الاخذ والعمل بالاجتهاد أن تظهر بعده العلامة. (وإذا) اجتهد. و (استعمل ما ظنه) الطاهر كله أو بعضه من الماءين، (أراق الآخر) ندبا، وقيل وجوبا إذا لم يخف العطش ليشربه إذا اضطر، لئلا يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الامر كما يندب له ذلك قبل الاستعمال أيضا كما في المجموع والتحقيق. وهو أولى لئلا يغلط فيستعمله. ويمكن حمل كلام المتن عليه على قصد الإرادة كما في قوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *. (فإن تركه) أي لم يرقه وصلى بالأول الصبح مثلا ثم حضرت الظهر وهو محدث ولم يبق من الأول شئ، لم يجب الاجتهاد لعدم التعدد. وأما جوازه فثابت على رأي الرافعي دون المصنف، فلو اجتهد على رأي الرافعي أو قويت عنده أمارة بعد ضعفها مع استناده في القوة والضعف لاجتهاد واحد، (وتغير ظنه) فيه من النجاسة إلى الطهارة، (لم يعمل بالثاني) من الاجتهادين على رأي الرافعي، أو ظني الاجتهاد على رأي المصنف. (على النص) لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. (بل يتيمم) لأنه لا يمكنه استعمال ما معه كما مر، ويصلي (بلا إعادة في الأصح) إذ ليس معه ماء طاهر بيقين، والثاني: يعيد لأن معه ماء طاهر بالظن، فإن بقي من الأول شئ لم يجز لغيره أن يستعمله إلا باجتهاد، ولو أحدث هو لزمه الاجتهاد للصلاة الثانية وإن لم يكف الباقي طهارته، أي إذا لم يكن متذكرا للعلامة الأولى، فإن تغير اجتهاده اجتنبهما وتيمم لما مر وأعاد ما صلاه بالتيمم لبقائهما منفردين لأنه تيمم بحضرة ماء طاهر بيقين له طريق في إعدامه. أما إذا لم يحدث بأن استمر متطهرا حتى حضرت صلاة أخرى فإنه لا يلزمه الاجتهاد وإن تغير ظنه، لأن الطهارة لا ترفع بالظن.
وخرج ابن سريج من النص في تغير الاجتهاد في القبلة العمل بالثاني، وفرق بأن العمل به هنا يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه الأول، وإلى الصلاة بنجاسة إن لم يغسله، وهناك لا يؤدي إلى صلاة بنجاسة ولا إلى غير القبلة. ومنع ابن الصباغ ذلك بأنه إنما يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد لو أبطلنا ما مضى من طهره وصلاته ولم نبطله بل أمرناه بغسل ما ظن نجاسته كما أمرناه باجتناب بقية الماء الأول. وأجيب بأنه يكفي في النقض وجوب غسل ما أصابه الأول واجتناب البقية.
ويؤخذ من ذلك أنه إذا اشتبه عليه ماء مستعمل بطهور أو كان غسل أعضاء الوضوء من الأول أنه يعمل بالثاني لفقد العلة، وهو كذلك. وبما قرر ت به كلام المصنف سقط ما قيل إن ذلك لا يتأتى إلا على رأي الرافعي. ويجتهد في غير الماء أيضا وجوبا إن اضطر، وإلا فجوازا ولو في جنسين كلبن وخل. (ولو أخبره بتنجسه) أي الماء أو غيره عدل (مقبول الرواية) كعبد وامرأة لا فاسق ومجنون ومجهول وصبي ولو مميزا. ووقع في شرح المهذب في باب الاذان قبول إخبار المميز فيما طريقه المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل، والمعتمد عدم قبوله مطلقا كما صححه في زيادة الروضة ونقله عن الجمهور. نعم لو أخبر جماعة من الفساق لا يمكن تواطؤهم على الكذب قبل خبرهم، وكذا لو أخبر الفاسق عن فعل نفسه كقوله بلت في الاناء قاله الزركشي.
ومثله الصبي المميز كما قاله بعض المتأخرين. وقد قالوا فيما وجدت شاة مذبوحة فقال ذمي - أي تحل ذبيحته - أنا ذبحتها، أنها تحل وكفى به فاسقا. (وبين السبب) في تنجسه كولوغ كلب، (أو كان فقيها) بما ينجس، (موافقا) للمخبر في مذهبه في ذلك وإن لم يبين السبب، (اعتمده) لأنه خبر يغلب على الظن التنجيس. ويؤخذ من ذلك أن الكلام في فقيه يغلب على الظن أنه يعرف ترجيحات المذهب، فسقط بذلك ما قيل إن في المذهب خلافا في مسائل: كولوغ هرة في ماء قليل بعد نجاسة فمها وغيبتها، وكوقوع فأرة أو هرة في ماء قليل إذا خرجت منه حية، ونحو ذلك. فقد يظن الفقيه الموافق ترجيح المرجوح لعدم علمه بالراجح ولو اختلف عليه خبر عدلين فصاعدا، كأن قال أحدهما: ولغ الكلب في هذا دون ذاك، وقال الآخر: بل في ذاك دون هذا، صدقا إن أمكن صدقهما، فيحكم بنجاسة الماءين لاحتمال الولوغ في وقتين. فلو تعارضا في الوقت أيضا بأن عيناه صدق أوثقهما، فإن استويا فالأكثر عددا، فإن استويا سقط خبرهما لعدم الترجيح وحكم بطهارة الإنائين، كما لو عين أحدهما كلبا كأن قال:
ولغ هذا الكلب في هذا الماء وقت كذا، وقال الآخر: كان حينئذ ببلد آخر مثلا.
فروع: لو اغترف من دنين في كل منهما ماء قليل أو مائع في إناء واحد فوجد فيه فأرة ميتة لا يدري من أيهما هي، اجتهد،
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532