مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢٧
النظر له أثر في حصول الظن في المجتهد فيه وقد فقده فلم يجز كالقبلة. وأجاب الأول بأن القبلة أدلتها بصرية. وبما قدرته سقط ما قيل إنه لو قال والأعمى يجتهد في الأظهر لكان أحسن، أي لأن المراد أنه كالبصير في أصل الاجتهاد وإن خالفه في بعض الصور، فإن الأعمى إذا تحير قلد بصيرا على الأصح. وقيل لا كالبصير، قال في المجموع: فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم. (أو) اشتبه عليه (ماء وبول) أو نحوه كأن انقطعت رائحته، (لم يجتهد) فيهما (على الصحيح) سواء أكان أعمى أم بصيرا، لأن الاجتهاد يقوي ما في النفس من الطهارة الأصلية والبول لا أصل له فيها فامتنع الاجتهاد. فإن قيل: البول له أصل في الطهارة فإن أصله ماء. أجيب بأنه ليس المراد بقولهم له أصل في التطهير الحالة التي كان عليها من قبل حتى يرد عليهم ذلك، بل المراد إمكان رده إلى الطهارة بوجه، وهذا متحقق في المتنجس بالمكاثرة بخلاف البول، والثاني: يجوز كالماء المتنجس، وقال الإمام: إنه المتجه في القياس، واختاره البلقيني. (بل يخلطان) بنون الرفع كما في خط المصنف استئنافا أو عطفا على لم يجتهد بناء على ما قاله ابن مالك أن بل تعطف الجمل، فسقط بذلك ما قيل إن الصواب حذف النون لأنه مجزوم بحذفها عطفا على يجتهد. لكن الأصح خلاف ما قاله ابن مالك، إذ شرط العطف ببل إفراد معطوفها، أي كونه مفردا، فإن تلاها جملة لم تكن عاطفة بل حرف ابتداء لمجرد الاضراب، ولا يجوز عطف يخلطان على يجتهد وأن يقرأ بحذف النون كما قاله بعض الشراح لفساد المعنى، إذ يصير التقدير: بل لم يخلطا. قال المصنف: والصب كالخلط. (ثم يتيمم) لتعذر استعمال الماء، فإن تيمم قبل ذلك لم يصح لأنه تيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة مع تقصيره بترك إعدامه. فما ذكر شرط لصحة التيمم كما صححه المصنف في شرح المهذب، وقيل: شرط لعدم وجوب القضاء، وهو مقتضى كلام الرافعي في الشرحين والمصنف في الروضة والتحقيق.
وبل هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر لا للابطال. (أو) أشتبه عليه ماء (وماء ورد) كأن انقطعت رائحته، (توضأ بكل) منهما (مرة) ليتيقن استعمال الطهور ولا يجتهد، لأن ماء الورد لا أصل له في التطهير. ويعذر في عدم الجزم بالنية كنسيان إحدى الخمس، وإن أمكنه الجزم بها بأن يأخذ غرفة من كل منهما في يد ويستعملها في شقي الوجه دفعة واحدة من غير خلط مقترنا بالنية ثم يعيد غسل وجهه ويكمل وضوءه بأحدهما ثم يتوضأ بالآخر للمشقة عليه في ذلك. وظاهر كلامهم أن ذلك جائز له عند قدرته على طهور بيقين، وإن كان مقتضى العلة كما قال في المجموع لامتناع. واستشكل الأسنوي وجوب الوضوء بالماء وماء الورد بما ذكروه فيمن معه ماء لا يكفيه لوضوئه ولو كمله بمائع يستهلك فيه كماء ورد وغيره أنه يلزمه التكميل بشرط أن لا يزيد ثمنه على ثمن القدر الناقص، فكيف يوجبون هنا استعمال ماء كامل وماء ورد مثله وهو يزيد على ذلك؟ فالصواب الانتقال إلى التيمم. وأجيب عنه بجوابين: الأول: أنه هنا قدر على طهارة كاملة بالماء وقد اشتبه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهناك لم يقدر على الكاملة فتكليفه التكميل بأزيد مما أوجبه الشرع عليه لا يتجه. الثاني: أن صورة المسألة هنا في ماء ورد انقطعت رائحته وصار كالماء، وذلك لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة بخلاف تلك. ويؤخذ من ذلك أنه لو زادت قيمته على قيمة ماء الطهارة لم يلزمه استعماله ويتيمم كما جزم به ابن المقري في الروضة (وقيل له الاجتهاد) فيهما كالماءين، وفرق الأول بمثل ما مر في البول. قال الماوردي: وله أن يجتهد فيهما لشرب ماء الورد، فإذا بان له بالاجتهاد أن أحدهما ما ورد أعده للشرب وله التطهير بالآخر للحكم عليه بأنه ماء.
واستشكل بأن الشرب لا يحتاج إلى اجتهاد. وأجيب بأن الشرب وإن لم يحتج إليه لكن شرب ماء الورد في ظنه يحتاجه فيه إليه.
تنبيه: للاجتهاد شروط علم بعضها مما مر، الأول: أن يتأيد بأصل الحل فلا يجتهد فيما اشتبه ببول كما تقدم. الثاني:
أن يقع الاشتباه في متعد فلو تنجس أحد كميه أو إحدى يديه وأشكل فلا يجتهد كما سيأتي في شروط الصلاة إن شاء الله تعالى. الثالث: أن يبقى المشتبهان، فلو تلف أحدهما لم يجتهد في الباقي بل يتيمم ولا يعيد وإن بقي الآخر، لأنه ممنوع من استعماله غير قادر على الاجتهاد. الرابع: بقاء الوقت، فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى وأعاد، قاله العمراني في البيان. الخامس: أن يكون للعلامة فيه مجال بأن يتوقع ظهور الحال فيه كالثياب والأواني والأطعمة، فلا يجتهد فيما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية فأكثر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح أو ميتة بمذكاة أو نحو ذلك وأسقط ابن المقرى هذا الشرط. قال شيخنا:
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532