مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٢٩
نجاح الحركة هذه العبارة التي أوردها المؤرخ العاملي ترينا الموقف على حقيقته، ويبدو أن الوالي كان على شئ من الخير والإنصاف، أو أن الدولة قد أرادت كبح جماح حمد بعد أن رأت إدلاله عليها، أو أن الأمرين اجتمعا معا، فأصدر الوالي أمرا بعزل حمد من حاكمية جبل عامل. واختير لها رجل من الشعب من بلدة النبطية هو الشيخ حسين مروة، ولكن يبدو أن الاختيار لم يكن موفقا، إما لأن الرجل لم يكن كفء فطغى رجاله بدون علمه كما طغى السابقون، أو لأن السلطة مغرية للجميع حاملة لهم على الطغيان فطغى هو نفسه، فلم تتحقق أماني الشعب.
ولم يصبر حمد على الأمر طويلا واستطاع العودة إلى منصبه بعد ستة شهور من عزله ورجع إلى البلاد بموكب حافل زاخر.
ويبدو أن من عوامل نجاح هذه الحركة هو تدخل الحاج قاسم الزين وتوليه التحريض ثم قيادة المحتجين إلى مقابلة الوالي. وقد يظهر غريبا أن يشارك الحاج قاسم الزين في مثل هذا التحريض في حين أنه ليس ممن يمكن أن ينالهم أذى حمد، بل يمكن عدة من المتسلطين. ولكن الغرابة تزول إذا عرفنا أن ذلك إنما كان لأن نزاعا قام بين آل الزين وبين حمد بسبب الشيخ علي زيدان، ويروي صاحب جواهر الحكم قصة هذا النزاع بما يلي: إن هذا الشيخ علي زيدان كانت بينه وبين بيت الزين اختلافات على أراضي وأملاك واتصلت لولاة الأمر وحصل التشكي على أمير جبل عامل حمد البيك بسبب أنه منع بيت الزين عن الشيخ.
موقف الشعراء هذه الحركة الشعبية التي استطاعت أن تزعزع زعيما عريقا وحاكما مستطيلا. والتي كان باعثها التوق إلى الحرية والعدل، والنقمة على الاستبداد والظلم، والتي نظمت تنظيما دقيقا بحيث تجرأت على التجمع وإعلان السخط، ثم على تآليف الوفد وإحكام الخطة، ثم الفوز بما أرادت. هذه الحركة الشعبية لا نجد فيها للشعراء أي موقف. فقد غابوا عنها وصمتوا صمتا كاملا. وليس فيما وصلنا من الشعر أي شئ يدل على أن الشعراء شاركوا الشعب نقمته، وساهموا في احتجاجه. وهذا غير عجيب ما داموا هم في الأصل شعراء حمد لا شعراء الشعب.
على أننا نجد في شعر أحدهم الشيخ حبيب الكاظمي الذي كان من أكثرهم التصاقا بحمد، ومن أعظمهم مودة عنده نجد في شعره قصيدة تدل على أن حمدا كان غاضبا عليه، وإنه نظمها استرضاء له واستعطافا، بل طلبا للعفو:
إن كانت العتبى تقدم لي بها * ذنب فان العفو عين ورود فما هو الذنب الذي أذى ارتكابه إلى أن يستحق غضبا يطالب بعده بالعفو.
ونحن نعلم أن صلة الكاظمي بحمد تعود إلى أيام خمول الأخير على حد تعبير الشيخ محمد مغنية في كتابه جواهر الحكم، وأنه لذلك قربه كل تقريب بعد نباهة أمره وانتصاراته وتوليه الحكم فلما ذا غضب عليه بعد هذا؟ أيمكن أن يكون ذلك لأن الشاعر ماشى خصوم حمد؟ إن صح هذا الأمر فإننا لا نحسب أن الكاظمي قد غامر بمماشاة الحركة الشعبية، بل ربما كان قد اعتقد بأفول نجم حمد أفولا نهائيا فماشى الحاكم الجديد، ثم انتهى الأمر على غير ما اعتقد.
وعدا هذه اللمحة في شعر الكاظمي فانا لا نلمح أي شئ في شعر غيره وسنتحدث بعد عن الكاظمي حديثا آخر.
الشيخ علي مروة (1) من شعراء عصر حمد المحمود، الشيخ علي مروة. وهو من الشعراء الذين كان لهم بحمد المحمود أوثق الصلات وممن ساهم في الحديث عن انتصاراته ووقائعه وسجل ذلك في ديوانه المخطوط. وقدم لإحدى قصائده بقوله: قلت أمدح الشيخ حمد سنة 1256 حين توجه إلى فتح بلاد صفد وعكا ومحاربة الدولة المصرية. فهو يحدد لنا بذلك تاريخ القصيدة وسبب نظمها. ثم إن في تلقيبه حمدا بلقب الشيخ دون لقب البيك دليلا على أن العامليين لم يكونوا قد استساغوا بعد اللقب الأعجمي الجديد وأنهم ظلوا يؤثرون عليه اللقب العربي القديم. ويبدأ قصيدته بالحديث عن راحلته التي أقلته إلى ممدوحه:
باتت على مضض السرى سهدا * مشغوفة في سيرها أمدا وبعد أن يسترسل بذلك في أربعة أبيات يصف فيها الراحلة والجو والأفق يقول:
حتى أتت أم القرى ورأت * في ربعها ليث الثرى حمدا وأم القرى المقصودة هنا هي تبنين.
وبعد أن يتحدث عن أسلاف حمد وأنه ورث عنهم العلياء يعود إلى مخاطبة حمد نفسه:
وأقمت من أمر النظام بها * ما كان من معوجة فسدا يا من بنى المجد الأثيل على * رغم العدى فاستظهروا حسدا فخرت بك الشامات وابتهجت * لما جلوت عن القلوب صدا فهو هنا يسير على النهج الذي غلب على شعراء حمد المحمود، والذي شقته لهم الظروف العسكرية والعوامل الحربية التي رافقت حياة حمد. فحمد في هذا الشعر ليس مفخرا لجبل عامل وحده، ولا الجبل وحده هو الذي بتهج بما فعل حمد، بل إن الشامات كلها هي الفخورة المبتهجة. ومن الطبيعي أن يقول الشاعر هذا القول لأن الذي عمله حمد لم تكن نتائجه مقتصرة على الجبل وحده، فالثورة على الحكم الإبراهيمي كانت عامة والنقمة كانت شاملة. ثم يحدد الشاعر العوامل التي أدت إلى هذا الافتخار والابتهاج بأنها كانت في تقويم إعوجاج النظام الذي كان قد فسد.
النظام ونحن مضطرون للوقوف عند كلمة النظام وقفة قصيرة فقد وردت هذه الكلمة في شعر شاعر آخر من شعراء حمد وهو يتحدث عن نفس الأحداث وردت بمعنى الجيش النظامي تمييزا له عن الجيش الشعبي والمتطوعين.

(1) راجع ترجمته في الصفحة 202 وما بعدها من المجلد الثامن.
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370