مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٥٥
تعود لمشتاق تزايد وجده * وما قد مضى في الدهر ليس بمرجع إلى أن قال:
وخطب بكت منه السماء وصدعت * له الأرض والأطواد أي تصدع فديت حسينا حين ودع راحلا * لأكرم جد وهو خير مودع فأمسى يجد السير لم يك وانيا * غداة دعوه طالبا ما له دعي على أنه ذاك الامام ولم يكن * بما رامه في ذلك الأمر مدعي عبد الرحمن بن عبيد الهمداني.
لما قام المختار يطلب بثار الحسين ع في الكوفة دعا بغلام له أسود يقال له رزين، وكان فارسا بطلا، فقال: ويلك يا رزين! قد بلغني عن الشمر بن ذي الجوشن أنه قد خرج عن الكوفة هاربا في نفر من غلمانه ومن اتبعه، فاخرج في طلبه فلعلك تأتيني به أو برأسه، فاني ما أعرف من قاتل الحسين بن علي أعتى منه ولا أشد بغضا لأهل بيت رسول الله ص.
فاستوى رزين على فرسه وخرج في طلب الشمر بن ذي الجوشن فجعل يسير مسيرا عنيفا، وهو في ذلك يسأل عنه فيقال له: نعم إنه قد مر بنا آنفا، فلم يزل كذلك حتى نظر إليه من بعيد، قال: وحانت من الشمر التفاتة فنظر إلى رزين غلام المختار فقال لغلمانه: سيروا أنتم فان الكذاب قد بعث بهذا الفارس في طلبي! قال: ثم عطف الشمر على غلام المختار وتطاعنوا برمحيهم، طعنه الشمر طعنة قتله ثم مضى.
وبلغ ذلك المختار فاغتم لذلك غما شديدا، ثم دعا برجل يقال له عبد الرحمن بن عبيد الهمداني، فضم إليه عشرة من أبطال أصحابه ثم قال: يا عبد الرحمن! إن الشمر قد قتل غلامي رزينا ومر على وجهه، ولست أدري أي طريق سلك، ولكني أنشدك بالله يا أخا همدان ألا قررت عيني أنت ومن معك بقتله إن قدرتم على ذلك.
فخرج عبد الرحمن بن عبيد في عشرة من أصحاب المختار في طلب الشمر بن ذي الجوشن، فجعلوا يسيرون وهم يسألون عنه ويمضون على الصفة، قال: والشمر قد نزل إلى جانب قرية على شاطئ الفرات يقال لها الكلتانية وهو جالس في غلمانه، ومعه قوم قد صحبوه من أهل الكوفة من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهم آمنون مطمئنون، والشمر قد نزع درعه، ورمى به ورمى ثيابه واتزر بمئزر وجلس، ودوابه بين يديه ترعى، فقال له بعض أصحابه ممن كان معه: إنك لو رحلت بنا عن هذا المكان لكان الصواب، فإنك قد قتلت غلام المختار، ولا نأمن أن يكون قد وجه في طلبنا! قال: فغضب الشمر من ذلك وقال: ويلكم أكل هذا خوفا وجزعا من الكذاب، والله لا برحت من مكاني هذا إلى ثلاثة أيام ولو جاءني الكذاب في جميع أصحابه! قال: فوالله ما فرع من كلامه حينا حتى أشرفت عليه خيل المختار، فلما نظر إليهم وثب قائما فتأملهم، قال: ونظروا إليه وكان أبرص، والبرص على بطنه وسائر بدنه كأنه ثوب ملمع. قال: ثم ضرب بيده إلى رمحه ثم دنا من أصحاب المختار وهو يومئذ متزر بمنديل وهو يرتجز ويقول:
تيمموا ليثا هزبرا باسلا * جهما محياه يدق الكاهلا لم يك يوما من عدونا كلا * إلا كذا مقاتلا أو قاتلا يمنحكم طعنا وموتا عاجلا قال: فقصده عبد الرحمن بن عبيد وهو يرتجز ويقول:
يا أيها الكلب العوي العامري * أبشر بخزي وبموت حاضر من عصبة لدى الوغى مساعر * شم الأنوف سادة مغاور يا قاتل الشيخ الكريم الطاهر * أعني حسين الخير ذي المفاخر وابن النبي الصادق المهاجر * وابن الذي كان لدى التشاجر أشجع من ليث عرين خادر * ذاك علي ذو النوال الغامر ثم حنق عليه الهمداني فطعنه في نحره طعنة فسقط عدو الله قتيلا، ونزل إليه الهمداني فاحتز رأسه، وقتل أصحابه عن آخرهم، وأخذت أموالهم وأسلحتهم ودوابهم، وأقبل الهمداني برأسه ورؤوس أصحابه إلى المختار حتى وضعها بين يديه، فلما نظر المختار إلى ذلك خر ساجدا لله، ثم أمر برأس الشمر وأصحابه فنصبت بالكوفة في وجه الحدادين حذاء المسجد الجامع، ثم أمر لهذا الهمداني بعشرة آلاف درهم وولاه أرض حلوان.
عبد الرحمن بن عبيد.
كان الضحاك بن قيس واليا على الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان. وكان قبل ذلك أيام أمير المؤمنين ع قد أغار على الحيرة، فأرسل إليه أمير المؤمنين جيشا بقيادة حجر بن عدي الكندي فما زال مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بتدمر فواقفه فاقتتلوا ساعة، وحجز بينهم الليل فمضى الضحاك، فلما أصبحوا لم يجدوا له ولا لأصحابه أثرا.
عن محمد بن مخنف (1) قال: إني لأسمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان على منبر الكوفة يخطبنا وهو يقول: أنا ابن قيس، وأنا أبو أنيس، وأنا قاتل عمرو بن عميس، قال: وكان الذي ظاهره على ذلك أنه أخبر أن رجالا من الكوفة يظهرون شتم عثمان والبراءة منه قال: فسمعته وهو يقول:
بلغني أن رجالا منكم ضلالا يشتمون أئمة الهدى ويعيبون أسلافنا الصالحين، أما والذي ليس له ند ولا شريك لئن لم تنتهوا عما بلغني عنكم لأضعن فيكم سيف زياد ثم لا تجدونني ضعيف السورة، ولا كليل الشفرة (2)، أما والله إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم فكنت أول من غزاها في الاسلام فسرت ما بين الثعلبية وشاطئ الفرات، أعاقب من شئت وأعفو عمن شئت، لقد ذعرت المخبئات في خدورهن، وإن كانت المرأة ليبكي ابنها. فلا ترهبه ولا تسكته إلا بذكر اسمي، فاتقوا الله يا أهل العراق واعلموا أني أنا الضحاك بن قيس.
فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد فقال: صدق الأمير وأحسن القول ما أعرفنا والله بما ذكرت...! ولقد أتيناك بغربي تدمر فوجدناك شجاعا صبورا مجربا، ثم جلس فقال: أيفتخر علينا بما صنع في بلادنا أول ما قدم؟! وأيم الله لأذكرنه أبغض مواطنه تلك إليه، قال: فسكت الضحاك قليلا فكأنه خزي واستحيا ثم قال: نعم كان ذلك اليوم باخرة (3) بكلام ثقيل ثم نزل.

(١) هو محمد بن مخنف بن سليم بن الحارث الغامدي، أبوه صحابي وقد رأي عليا (عليه السلام) عند مقدمه البصرة وقد بلغ الحلم وروى عنه (انظر صفين لنصر بن مزاحم ص ١٠ وميزان الاعتدال ٤ / 32) وقد تجاهله الذهبي.
(2) السورة: السطوة، والشفزة: السكين العظيم.
(3) بأخرة: أخيرا، وقوله: " بكلام ثقيل " أي جاء به متثاقلا كأنه يجره جرا من شدة الخجل.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370