مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
كان هؤلاء الثلاثة في الواقع قادة الموقف من أوله إلى آخره، وسيكونون بعد حين نواة حزب الشعب.
وسرى نبا القبض على الثلاثة في دمشق مسرى النار في الهشيم فتحفزت النفوس، وفي يوم الجمعة خطب الخطباء في المسجد الأموي محرضين مثيرين فخرجت المظاهرات متحدية طالبة الافراج عنهم، فقبضت السلطة على مجموعة من الشبان، فلم تتوقف المظاهرات وأطلق عليها الرصاص واشترك فيها النساء. ثم أعلن ما يشبه الأحكام العرفية ومنع التجول واحتل الجند المدينة في كل مكان وسيق المعتقلون إلى محكمة عسكرية فرنسية حكمت على الشهبندر بالسجن عشرين سنة، وعلى سعيد حيدر بالسجن خمس عشرة سنة، وعلى حسن الحكيم بالسجن عشر سنوات، وعلى معتقلين آخرين بأحكام مختلفة أقلها خمس سنوات وسيق الجميع إلى جزيرة أرواد ليقضوا مدة السجن في سجنها.
وكان بين المسجونين نجيب الريس الذي كان يومذاك في مطلع شبابه، ثم أصبح أبرز صحافي سوري باصداره جريدة القبس وكانت افتتاحياته فيها لا تبارى بلاغة وفكرة وعمقا، وكان يحرص دائما على أن يختمها ببيت من الشعر المأثور.
وفي خلال وجوده في سجن أرواد نظم قصيدة كانت شهيرة في سورية يخاطب بها جزيرة أرواد يقول فيها:
بنت الخضم وكم في الشام من شفة * هتافة باسم شاطيك ومن فيه ونظم النشيد الذي سار على كل شفة ولسان، وتجاوز حدود سورية إلى لبنان وفلسطين والعراق وغيرها ومطلعه:
يا ظلام السجن خيم * إننا نهوى الظلاما ليس بعد الليل إلا * فجر مجد يتسامى وفي 25 تشرين الثاني سنة 1922 سافر الجنرال غورو إلى باريس، ثم لم يعد، وفي 19 أيار سنة 1923 وصل مفوض سام جديد هو الجنرال ويغان، وفي 18 تشرين الأول سنة 1923 أطلق سجناء أرواد. وفي 22 كانون الأول سنة 1924 وصل الجنرال ساراي ليحل محل الجنرال ويغان، وقد لاح من تصرفاته أنه أقرب إلى التفاهم من سلفيه، ولكن سوء الحظ رافقه فقامت الثورة الكبرى في عهده وليس هنا مكان الحديث المفصل عن الثورة.
وكان المفوض السامي الجديد قد أعلن قبل الثورة أنه مستعد لسماع الشكاوى والنظر فيها. وحتى هذا الوقت لم يكن في جميع البلاد السورية أي حزب أو تنظيم أو تكتل سياسي يجتمع حوله الوطنيون ويقود النضال في وجه الفرنسيين، وكل ما كان موجودا هو أحاديث يتداولها الناس في بيوتهم أو مكاتبهم كلما التقى اثنان أو أكثر: وكان الثلاثي الأروادي: الشهبندر وحيدر والحكيم يكثر اللقاء فيما بينه ومع غيره.
ثم صدرت جريدة المفيد يومية باسم يوسف حيدر شقيق سعيد الأكبر، وكان الكاتب الأول فيها والمشرف فعليا على توجيهها هو سعيد، فكان مكتبها ملتقى يوميا للمفكرين الوطنيين الذين انبثق منهم حزب الشعب كما سنرى.
وكانت الصوت الوطني المتعالي، والتف حولها شيوخ الكفاح وكهوله وشبانه، فكانت لسانهم الناطق. بل كانت المدرسة الوطنية الناجحة.
لقد كانت مقالات سعيد حيدر نبراسا وهاجا ينير السبيل أمام التائهين، وكان قلمه المحرك المثير للعزائم.
ولم تكن المفيد بمستطيعة أن تقول كل شئ، ولا كانت قادرة على أن تصرح بجميع ما يجب التصريح به، والدعوة إلى كل ما تريد أن تدعو إليه، لأن سيف التعطيل الإداري كان مسلطا فوق رأسها يهددها عند أول بادرة.
لذلك كانت تلجأ إلى الرمز، وما كان أوضح هذا الرمز عند النفوس المتعطشة إلى كل كلمة وطنية.
ولن أنسى أبدا ما كتبه سعيد حيدر بتوقيع س وما صور به في المفيد بقلمه في صباح الثامن من آذار.
وما صباح اليوم الثامن من آذار؟ إنه صباح اليوم الذي أعلنت فيه سورية استقلالها التام الناجز وصرخت بوجه الدنيا متحدية قوى الاستعمار بأنها تريد أن تعيش حرة سيدة نفسها.
ولم يلبث الحلم السعيد أن عاش بضعة شهور فقط، ولم يلبث أن هوى في يوم ميسلون...
وجاءت ذكرى الثامن من آذار والاستعمار الفرنسي يجثم بكل شراسته على صدر الوطن الجريح.
جاءت الذكرى العظيمة فكان لا بد لجريدة المفيد وسعيد حيدر من أن يحتفلا بها احتفالا يليق بجلالها، احتفالا يوقظ النفوس ويلمس القلوب، ويوقظ الغافي ويهز الهامد، بل يثير ويستفز.
يفعل كل ذلك دون أن يثير ريبة المستعمرين أو يلفت أنظارهم لما يريد فيبطشوا بالمفيد.
ولقد كان للمفيد ولسعيد حيدر ما أرادا وخرج مقالة في صباح 8 آذار قطعة أدبية رائعة وجذوة وطنية لاهبة ملهبة.
وكرمت دمشق بلسان سعيد حيدر وقلمه، كرمت ذكرى 8 آذار أنضر تكريم وأزكاه، أعنف تكريم وأقساه، كرمت هذه الذكرى لأول مرة بعد دخول الفرنسيين دمشق وسيطرتهم على الوطن.
وختم سعيد حيدر مقاله بأبيات مهيار الديلمي:
اذكرونا مثل ذكرانا لكم * رب ذكرى قربت من نزحا واذكروا صبا إذا غنى بكم * شرب الدمع وعاف القدحا قد عرفت الحزن مذ فارقتكم * فكأني ما عرفت الفرحا ومن مكتب المفيد خرجت فكرة إرسال وفد وطني يقابل المفوض السامي الجديد ويبسط له المطالب الوطنية في الحرية والاستقلال، على ما بدا من حسن نوياه في تصريحاته. وتألف الوفد خليطا من المحامين والأطباء والتجار والشبان. وذهب وقابل الجنرال ساراي في بيروت فلقي منه ترحيبا، ولكنه لم يناقش في المطالب، بل قال لهم قولا جديدا لم يألفه الناس من قبل: اذهبوا وألفوا أحزابا سياسية لها برامج محددة وعلى أسس هذه البرامج يناقش كل مطلب.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370