مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
يعجبني أنهم إذا كثروا * قلوا غناء وإن هم كثروا وليس من عجب في أن يحقد جماعة على الطغرائي في زمانه، وليس من عجب في أن يقول فيهم الطغرائي هذه الأبيات وأكثر منها مما يتضمن ديوانه.
ولكن العجب في أن يهمل الطغرائي في زماننا فلا يتناوله كاتب بنقد، ولا يذكره أديب ببحث، كان هذا الشاعر العظيم من مطويات الأدب، تلك التي تطوي فلا تنشر، وتنسى فلا تذكر. ذلك في حين أن المتأمل في شعر هذا الرجل الفذ يدرك فيه سرا قلما تقع عليه في غيره من الشعراء: لا في شعراء عصره ولا في الشعراء الذين تقدموه، ولا في الشعراء الذين تلوه. وعندي أن هذا السر لا يشاركه فيه إلا شاعر واحد هو أبو العلاء المعري. أما ذلك السر فهو الجمع بين قوة الشاعرية ودقة الاحساس وصدق الوجدان وبين هدوء الطبع. أما إن ذلك سر من أسرار العظمة في الطغرائي، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه سر عظمته، فذلك بان الشعر عاطفة وخيال وحركة نفسية جياشة دافقة سيالة، فإذا حكم هذه الصفات هدوء نفس طبيعي، صفا الشعر ورق وأنساب انسياب الجدول المترقرق الهادئ، ولكنه في ترقرقه وهدوئه حاد كالسيف قاطع كالفأس الباترة المحدودة.
وأبو العلاء المعري إن شارك الطغرائي هذا السر، فلا شك في أنه في نفسية الطغرائي وأذهب في الوجدان. فان أبا العلاء شاعر حكيم بطبعه متشائم بفطرته. حمل على المرأة وطغي على الإنسانية، حتى لقد أراد أن يهدم كل قائم من غير أن يعرف كيف يقيم غيره، وأن يدك كل أساس عملي في الحياة من غير أن يرسم للحياة طريقا جديدا. ذلك على العكس من الطغرائي فإنه عاش مع المرأة واندفع في غمرات الحياة وشرب من أفاويقها حلوة ومرة، فكان من صميم أهل الدنيا. فإذا لازم أبا العلاء شئ من هدوء الطبع ظهر أثره في شعره فذلك طبيعي بمقتضى النشأة والاتجاه الفكري. أما أن يلازم الطغرائي ذلك الهدوء وتحكمه تلك الطمأنينة، وهو بعد مغمور في الحياة محب لها، هائم بمباهجها، لماح لما فيها من مغريات ومفاتن، فذلك سر من العظمة لا تألفه في الشعراء.
ولقد يظهر أثر هذا السر في مرئياته، وهي أبعد الأشياء عن أن يلزم فيها شاعر هدوء نفسه وطبعه، فلا يغلب عليه خيال جماح إلى غايات من الشعر يسبح من خلالها الشاعر في عالم من الخيال البعيد المعلق بآفاق الوهم القصية.
وله في إرثاء مقطوعة رثى بها عزيزة عليه، تلمح من خلالها مقدار ما لاقى في فراقها من لوعة عميقة الأثر بالغة الخطر، ولكنك تلمح فيها أيضا ذلك الهدوء النفسي الذي يبلغ من قرارة نفسك مبلغا لا تبلغه ثورة الشعر:
ولم أنسها والموت يقبض كفها * ويبسطها والعين ترنو وتطرق وقد دمعت أجفانها فوق خدها * جنى نرجس فيه الندى يترقرق وحل من المقدور ما كنت أتقي * وحم من المحذور ما كنت أفرق وقيل فراق لا تلاقي بعده * ولا زاد إلا حسرة وتحرق فلو أن نفسا قبل محتوم يومها * قضت حسرات كانت الروح تزهق هلال ثوى من قبل أن تم نوره * وغصن ذوي فينانه وهو مورق فوا عجبا أني أحم اجتماعنا * ويا حسرتي من أين حل التفرق أحن إليها إن تراخى مزارها * وأبكي عليها إن تدانى وأشهق وأبلس حتى ما أبين كأنما * تدور بي الأرض الفضاء وأصعق وألصقها طورا بصدري فاشتفي * وأمسحها حينا بكفي فتعبق وما زرتها إلا توهمت أنها * بثوبي من وجدي بها تتعلق وأحسبها والحجب بيني وبينها * تعي من وراء الترب قولي فتنطق وأشعر قلبي الياس عنها تصبرا * فيرجع مرتابا به لا يصدق هذا شعر صادق الدلالة على الحقائق التي أحاطت بالشاعر، وعلى الاحساسات التي اختلجت بها نفسه. قد تكون فيه لمحات من شعر الرثاء في شعر غيره من الشعراء، ولكن فيه إلى جانب هذا سر جديد عليك. ذلك ما تدرك من هدوء هذه النفس الثائرة كأنما ترى أرضا انبسطت ونما فوقها العشب وغشتها الأزاهير، وأنت تسمع من تحتها دوي البراكين وهمهمة الزلازل تغلي في باطنها.
ولقد حاولت أن أطلق على هذه الظاهرة العجيبة في شعر الطغرائي اسما أميزها به، فلم أجد اسما أطلقه عليها أجدر بها من أن ندعوها الواقعية الشعرية فإنها والحق يقال أقرب الأشياء فهما مما ندعوه الواقعية في الفلسفة على أن المقارنة بين واقعية الشعر وواقعية الفلسفة يحتاج إلى فراع ليس هذا مكانه، أما إذا أردت أن تقف على طرف مما ذكرت فاقرأ له المقطوعة الآتية:
أقول لنضوي وهو من شجني خلو * حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو تعالي أقاسمك الهموم لتعلمي * بأنك مما تشتكي كبدي خلو تريدين مرعى الريف والبدو أبتغي * وما يستوي الريف العراقي والبدو هناك نسيم الريح مثلك لاغب * ومثلي ماء المزن مورده صفو ومحجوبة لو هبت الريح أرفلت * إليها الغيارى بالعوالي ولم يلووا صبوت إليها وهي ممنوعة الحمى * فحتى م أصبو نحو من لا له نحو هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى * وشجو قديم ليس يشبهه شجو فأسر ولا فك، ووجد ولا أسى * وسقم ولا برء، وسكر ولا صحو عناء معنى وهو عندي راحة * وسم زعاف طعمه في فمي حلو ولولا الهوى ما شاقني لمح بارق * ولا هدني شجو ولا هزني شدو إن في هذا الشعر لثورة يخيم عليها هدوء نفسي قلما تأنسه في شاعر غيره.
وعندي أن هذه الصفة لم تتجل في شعر الطغرائي بقدر ما تجلت في لاميته المعروفة، وإن لنا لعودة إليها نحلل فيها هذا الشاعر الكبير على ضوء هذه الحقيقة الملموسة في شعره. ولقد يحفزنا إلى درس الطغرائي أنه شاعر فسيح الجوانب مديد الغايات وفي شعره تعلق بأسباب الأدب العالي، وما أحوجنا إلى هذه الأسباب.
الشريف حسين بن داود بن يعقوب الفوعي قال أبو الفداء في تاريخه وهو يتحدث عن حوادث سنة 739:
فيها في أوائل رجب توفي بمعرة النعمان ابن شيخنا العابد إبراهيم ابن عيسى...
وبعد أن يصفه بأوصاف كثيرة يقول: وهو من أصحاب الشيخ القدوة مهنا الفوعي نفعنا الله ببركتهما، وكان داعيا إلى السنة بتلك البلاد وتوفي بعده بأيام الشريف حسين بن داود بن يعقوب الفوعي بالفوعة وكان داعيا إلى التشيع بتلك البلاد، قلت:
وقام بنصر مذهبه عظيما * وحدد ظفره وأطال نابه تبارك من أراح الدين منه * وخلص منه أعراض الصحابة السيد حسين بن السيد رضي بن السيد مقتدى الحسيني القزويني الملقب بمعين الاسلام والمشهور باللامع.
ولد في قزوين ليلة الجمعة 20 جمادى الأولى سنة 1316 وتوفي بها سنة
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370