مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٢
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت إنسان فكدت أطير!
وما أشبه ذلك في الهذيان العاطفي الذي يرى الذئب عامة أقرب إلى الاستئناس من البشر كافة! إنه أدب الهزيمة العمياء الشارد من تبعات الحياة بعد أن حقن بالسموم!.
وما قصدت في هذه الكلمة إلى هذا اللون من التفكير وغربلته. بل لم يجرني إليه سوى الربط الخاطئ الذي وقع فيه شاعرنا عند ما ربط تأثره العميق من الجمال بأسباب الحرب التي ذكرها على لسان حصانه، هذه الحرب التي تحرم الإنسان من أجمل مناظر الطبيعة كما تحرمه من أعذب مفاتن الحياة.
إن الشئ الذي حرصت عليه، وأحببت أن أوصله إلى القارئ العزيز بهذه الكلمة، هو التأثر العميق الذي أيقظه جمال الطبيعة في نفس الشاعر، ذلك التأثر الذي أوجد تحويلا ولو كان التحويل وقتيا في روحه وعاطفته.
حيث أحس وهو أمام الطبيعة الفاتنة بقيمة الحياة، وأدرك وهو في نشوة هذا الاحساس العدو اللئيم لهذه الحياة. وإذا الريشة الشعرية تمتد وتصور هذا العدو، وتشن عليه غارتها العنيفة. وتستشرف الهدف وأنت ترافق الشاعر في غارته، وإذا الحرب هي الهدف الوحيد، إنها إذن هي العدو: عدو الحياة، وهي التي تتلقى نقمة الشاعر. وعند ما يشن هذه الغارة على الحرب ينطلق من ذاته المحدودة، ويتحرر منها، وتصبح الحياة كلها معنى من معاني أغنيته إن الحملة على الحرب، وتصويرها بصورها القبيحة، هي خدمة للانسانية، ولو كان من بواعثها الاحساس الآني بجمال الحياة.
هذه اللحظة من حياة الشاعر، وحياة أمثاله، لها وزنها عندنا، ولها قيمتها الكبرى. إننا نعتبر هذه اللحظة بمثابة الثمرة الناضجة في الشجرة، وإذا كانت الأشجار تقدر بثمراتها فالحياة أيضا تقدرها فيها من هذه اللحظة الخالدة وأمثالها.
إن هذه اللحظة في حياة شاعرنا تكاد تكون أصفى لحظاته. لقد تجرد فيها من مطامعه، وانطلقت فيها إنسانيته انطلاقة الجواد المكبوت في الميدان الواسع. ورأى فيها الحياة شيئا جميلا، كما رأى هذا الجمال متعة مشاعة لجميع الناس.
وتبدو ميزة هذه اللحظة إذا قورنت بأمثالها من اللحظات التي مرت بحياة غيره من الشعراء، فإذا سمعت قول المنازي مثلا:
وقانا لفحة الرمضاء واد * سقاه مضاعف الغيث العميم يصد الشمس أنى واجهتنا * فيحجبها ويأذن للنسيم يروع حصاه حالية العذارى * فتلمس جانب العقد النظيم رأيت جمالا، ورأيت تصويرا، ورأيت إحساسا بهذا الجمال، ولكنه إحساس على رقته لا يتعدى المشاعر الفردية.
وإذا سمعت الآخر:
ولما جلسنا مجلسا طله الندى * أنيقا وبستانا من الزهر خاليا أجد لنا طيب المكان وحسنه * منى، تمنينا فكنت الأمانيا أحسست بالجمال أيضا، وأحسست بالعاطفة الرقيقة الناعمة التي تشبه زغب الطائر. ولكن الشاعر لم يستطع التخلص من ذاته إلا إلى ذات أخرى يتمم وجودها إذا وجدت بجانبه سروره، واستمتاعه بالحياة استمتاعا أوسع.
فهذان الشاعران تأثرا بالجمال كما رأيت ولكن تأثرهما لم يخرجهما من نطاق الذات إلى إنسانية أوسع. أما شاعرنا المتنبي فقد كان كما رأينا روحا واثبة عبرت حدود الذات الفردية إلى الحياة كلها. ورأت في جمال الطبيعة متعة تحبب الأحياء لجميع الأحياء. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حمل على الذين يشوهون الحياة، ويحولونها إلى خرائب ينعب فيها البوم. شئ واحد أخطاه التوفيق فيه، وهو الإشارة الدقيقة إلى الذين يثيرون الحروب. فقد نسب الحرب إلى المعصية، وهذه المعصية الجديدة جزء من المعصية الكبرى التي وقع فيها الإنسان الأول.
إن الذي يقرأ ديوان الشاعر يرى فيه تمجيدا كبيرا للحرب، ويرى الفخر بالقتل والاعتزاز به من أظهر أفكاره:
ومن عرف الأيام معرفتي بها * وبالناس روى رمحه غير راحم وما أشبه ذلك من الآراء التي ترى القيم كلها بالقتل والقتال، الأمر الذي جعل بعض الكتاب الرجعيين يعده في هذه الناحية بمصاف نيتشه الأديب الألماني المعروف الذي مهد بآرائه إلى الفلسفة الهتلرية. فما الذي جعل الشاعر يتحول هذا التحويل فيشن الغارة على الحرب، ويعدها معصية؟! إنه الاحساس بالجمال جمال الطبيعة إن هذا الاحساس جعل الشاعر ينتشي... جعله كالنحلة التي تمتص رحيق الأزهار، ثم تحوله إلى عسل حلو لذيذ، ثم تقدمه طعاما شهيا لمن يرغب بأكله... جعله ينسى كل ما كان يطمح إليه، ويرغب فيه من عجرفة الملك، وعنجهية السلطة!.
لقد هرب في تلك اللحظة الخالدة من أوهام الامارة، وجاه السلطة، وما أشبه ذلك من المثل العليا التي كانت سائدة في عصره، وانطلقت فيه الذات الإنسانية الرفيعة، وتحررت من خرافات الطوائف الحاكمة، وراحت تزقزق كما تزقزق العصافير في الغابة، وتغني أغنية الحب.
ولكن هذه اللحظة لم تطل ولم تمتد، وإنما نامت بنوم ذلك الاحساس الذي أيقظه جمال الطبيعة. بيد أنها ألقت علينا درسا عميقا بالرغم من قصرها. لقد صورت لنا الأعجوبة التي يستطيع أن يصنعها جمال الطبيعة، وجمال الحياة.
الشيخ أحمد آل طعان القطيفي الستري البحراني ابن صالح.
مرت ترجمته في الأعيان ونذكره هنا بتفاصيل أوسع:
ولد في سترة من قرى البحرين عام 1251 ونشأ في مدينة المنامة من البحرين.
درس المقدمات من نحو وصرف وعلوم عربية وتجويد ومنطق في البحرين.
ثم توجه إلى النجف الأشرف وأكمل دراساته في الفقه والأصول عند كبار علمائها.
فأساتذته في البحرين: السيد علي بن السيد إسحاق البحراني، والشيخ عبد الله بن الشيخ عباس البحراني. وفي النجف: حضر بحوث الفقه والأصول عند الشيخ مرتضى الأنصاري، وبعد وفاة الشيخ الأنصاري، درس
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370