مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٦٤
التشيع الشعبي بصبغة لم تمح فسنوا سنة الاحتفال بعاشوراء على مثال بكائهم أمواتهم وانتحابهم عليهم في منتصف القرن الرابع، وجعلوا عيد غدير خم عيدا شعبيا كعيد الربيع.
ليس البويهيون هم الذين سنوا سنة الاحتفال بعاشوراء، بل أن الاحتفال بها كان متصلا قبلهم بأبعد الأزمان، ولم يكن يجري بشكل جماهيري، لأن السلطات كانت تمنع ذلك، وكان يجري ضمن البيوت الرحبة الواسعة ويضم من الناس ما يتسع له كل بيت، وكانت تنشد في هذه الاحتفالات الأشعار الرقيقة التي تبكي الناس وتشجيعهم. وكل ما فعله معز الدولة هو أنه أباح الاحتفالات الجماهيرية، ومنح أصحابها حريتهم فأخرجوها من دائرتها الضيقة إلى الدائرة الأوسع.
وليس البويهيون وحدهم هم الذين يبكون على أمواتهم وينتحبون عليهم، ليكونوا مثالا للباكين المنتحبين، فكل الناس تبكي على أمواتها وتنتحب عليهم.
وأما عن عيد غدير خم وأن البويهيين اخترعوه وجعلوه عيدا شعبيا شبيها بعيد الربيع، فهو أيضا داخل في باب الأوهام، فعيد غدير خم الذي يطلق عليه اسم عيد الغدير كان يحتفل به قبل البويهيين. وما فعله البويهيون هنا هو عين ما فعلوه في احتفالات عاشوراء وهو أنهم أطلقوا الحرية للناس فخرجوا به من النطاق الضيق إلى النطاق الواسع.
ولم تقتصر هذه الاحتفالات الواسعة على مناطق نفوذ البويهيين، ففي مصر الفاطمية كان يوم الغدير من الأيام المشهودة في تاريخها، ولا يزال عيد الغدير في اليمن العيد الشعبي الأول.
وأبو العلاء المعري نفسه كان يحتفل بعيد الغدير مع المحتفلين به في بلاد الشام فهو القائل:
لعمرك ما أسر بيوم فطر * ولا أضحى ولا بغدير خم فما دخل البويهيين في احتفالات مصر واليمن وبلاد الشام.
أما قول الدكتور منيمنة بان البويهيين حكموا العراق حين الناس فرق وأهواء وشيع فسلطوا عليها الخلاف.
فنقول له: ما دام الناس فرقا وأهواء وشيعا، فليسوا في حاجة لمن يسلط عليهم الخلاف.
نعم أن البويهيين حين حكموا وجدوا أن فريقا من الشعب محروم من أبسط حرياته، ومضطهد مطارد، فمنحوه حريته ورفعوا عنه الاضطهاد والمطاردة، حتى إذا حاول أحد من هذا الفريق أن يستغل ما منحوه ذرة من الاستغلال، أو يتجاوز شعرة من الحدود المرسومة للجميع أوقفوه حتى إنهم لم يتوانوا في أن ينفوا عن بغداد لفترة رجلا كالشيخ المفيد هو الرجل الأول والعالم الأكبر. وهكذا فهم لم يتحيزوا لأحد.
العرب والمأمون ثم البويهيون ورد الدكتور حسن منيمنة على مقالنا فرددنا عليه بما يلي:
بعد أن يسلم الدكتور منيمنة معنا بان كلمة الخراسانية في الأيام الأولى للحركة العباسية لا تعني الفرس بل تعني في الأصل عرب خراسان، يقول بان الأمر لم يكن كذلك في عهد المأمون، ويسألني هل كنت أريد أن أطبق هذه النتيجة على كلمة خراسانيين المستعملة زمن المأمون.
وأني لأجيبه بكل وضوح: نعم.
وما الذي حصل في تلك المدة المنقضية بين نشوء الدولة العباسية وخلافة المأمون من أحداث أزالت العرب من خراسان لنبدل الرأي في الخراسانية؟
أين ذهبت تلك القبائل العربية من تيمم وربيعة واليمن وكانت تنزل خراسان كما يخبرنا الجهشياري؟
وما الذي جرى على احياء العرب في خراسان كما حدثنا عنها البيان والتبيين؟
وأين مضت ظعائن العرب التي كانت تخرج من مرو إلى سمرقند كما أخبرنا العقد الفريد؟
وأين صارت جمهرة بني تميم في خراسان التي قرأنا عنها في البيان والتبيين؟ وأين انتهت جموع اليمن وربيعة وقيس في جرجان، وأوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلد بهم؟
وماذا كان مصير الجماهير العربية التي خاطبها نصر بن سباز قائلا: يا أهل خراسان؟
وماذا كانت نهاية خطط العرب ومنازلهم في خراسان وغير خراسان وقص قصتها علينا البلاذري؟
أين انطوى ذلك كله لنقول أن كلمة الخراسانية في الزمن العباسي الأول لا تعني ما تعنيه أيام المأمون؟
يقول الدكتور منيمنة أن المؤرخين استعملوا كلمة الخراسانيين أو أهل خراسان للتدليل على الكتلة الفارسية التي وقفت إلى جانب المأمون في وجه الكتلة العربية التي ساندت الأمين. وقد اختارت الكتلة خراسان مقرا ومنطلقا لايصال المأمون إلى الخلافة.
ونقول له: وما الدليل على ذلك؟
أنه يستشهد بان الفضل بن سهل حذر المأمون من الهاشميين والعرب الساعين لخلافة الأمين. ثم يورد عبارة المسعودي التي جاء فيها على لسان الفضل مخاطبا المأمون أنه يخشى: أن يثب عليك أخوك فيخلعك وأمه زبيدة وأخواله من بني هاشم.
ونقول: ليس في هذا القول تحذير من العرب، بل فيه تحذير من زبيدة أم الأمين وأقربائها. ومن الطبيعي أن يكون هوى زبيدة وأقربائها الأدنين مع الأمين، وليس المأمون في حاجة لنصيحة الفضل ليدرك هذا ثم يستشهد بقول الطبري وابن الأثير بان أهل خراسان قالوا عن المأمون: ابن أختنا وابن عم نبينا، لأن أمه كانت فارسية.
ونقول له: إننا لا ننكر أن للمأمون أخوالا وأقرباء في خراسان وإنه يمكن أن يقولوا هذا القول. ولكن هل هؤلاء كل خراسان؟ وهنا نعود فنكرر أسئلتنا السابقة عن مصير الشعب العربي الذي كانت تتمثل به خراسان، وهل انقرض بهذه السرعة؟ أو هل يمكن أن يكون بعيدا عن هذه الأحداث المصيرية؟ كان من إصطلاحات المؤرخين يومذاك أن يقولوا: في خراسان جمجمة العرب وفرسانها.
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370