مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٧
متى نزل السماك فحل مهدا * تغذيه بدرتها الثدي (1) أهل بصوته، فأهل شكرا * به الأقوام، وافتخر الندي (2) بيوم قدومه وجبت علينا النذور، * وسيق للبيت الهدي (3) وسر المجد مولود كريم * أبان وفوده خبر جلي علو زائد بأبي علي * أتاك بفضله الله العلي ويهنئ ثانية صديقا له بمولوده، وقد كتب له الصديق بنبأ ولادته، فإذا النبأ عنده أي أبي العلاء بشرى، وإذا الوليد نفسه هو النعمى.
ونحس هنا حرارة الصدق في تهنئته، وتكاد نبضات قلبه تنتقل إلى صدورنا ونحن نقرأ هذه اللهفة إلى صديقه. وفي ظننا أن هذه التهنئة الشعرية كانت في أوائل عهده بالعزلة، وكانت ما تزال في نفسه صبوات إلى تلك المتع الروحية بلقاء الأصدقاء والشعراء، وما يزال يضطرب وجدانه وينفعل بتجربات حية باقية من زمانه الأول:
كتابك جاء بالنعمى بشيرا * ويعرض فيه عن خبري سؤال وحالي خير حال كنت يوما * عليها، وهي صبر واعتزال فاما أنت، والآمال شتى، * فلقياك السعادة لو تنال!
بعدنا، غير أنا أن سعدنا * بغبطة ساعة، عكف الخيال ولو صنعاء كنت بها لهزت * هواي إليك نوق أو جمال أرى راح المسرة أثملتني * وتلك، لعمري، الراح الحلال وقبل اليوم ودعني مراحي * وأنستنيه أيام طوال هنيئا، والهناء لنا جميعا * يقينا لا يظن، ولا يخال أهل فبشر الأهلين منه * محيا في أسرته الجمال بأخوته الذين هم أسود * على آثار مقدمه عجال فان تواتر الفتيان عز * يشيد حين تكتهل الرجال وهل يثق الفتى بنماء وفر * إذا لم تتل أينقه فصال (4) ستركز حول قبتك العوالي * وتكثر في كنانتك النبال فان مناي أن يثري حصاكم * ويقصر عن زهائكم الرمال (5) يستوقفنا من هذه القصيدة العاطفية، أولا: إحساسها الصادق وصفاؤها النفسي والتعبيري معا، وثانيا: نظرة أبي العلاء إلى التناسل هذه النظرة الطبيعية السليمة، فإذا الوليد الجديد بشارة بمواليد كثيرة تتبعه، وإذا تكاثر الأبناء عز للأباء يشيدونه لهم في أعمال الكهولة، وإذا هم المال الطيب، ولا يثق المرء بنمو هذا المال إلا أن يتناسل ويتلو بعضه بعضا، وإذا أبو العلاء يتمنى، أغلى ما يتمنى لصديقه، أن يتكاثر أبناؤه حتى يقصر عدد الرمال عن أعدادهم... يقول هذا وهو في عافية من نفسه ووجدانه، وفي رغبة صادقة أن ينال هذا الصديق ما هو خير ونعمى له، والنسل هنا هو خيره ونعماه... أين هذا كله من رأي أبي العلاء في الأبناء وفي التناسل وفي جناية الآباء على أبنائهم حين يهبونهم نقمة الحياة؟... أين هذا الذي ينطق به سقط الزند من ذاك الذي تضج به اللزوميات؟...
وينقم أبو العلاء على الناس، في اللزوميات، أنهم يفتخرون، ويرى افتخارهم، كالكذب، منشأه الجهل، فعلا م يفتخر الناس وهم تراب ومن التراب:
ادفع الشر، إذا جاء، بشر * وتواضع، إنما أنت بشر هذه الأجسام ترب هامدة * فمن الجهل افتخار وأشر فكيف شان أبي العلاء إذن في سقط الزند، أهو يرى الفخر هنا كما هو هناك عنده؟.
الفرق بين حاليه هنا وهناك، هو الفرق بين من يمارس الافتخار بنفسه فعلا إلى حد الغو والاغراب، ومن يفلسف الافتخار للناس، وينقمه عليهم، ويعجب منهم أن يجدوا في إنسانهم موضع فخر... أي أن الفرق بين أبي العلاء في سقط الزند وبينه في اللزوميات من هذا الوجه، هو أنه في الأول شاعر، وفي الثاني متفلسف، أو إذا شئت فيلسوف، أو فلنقل:
مفكر متمذهب، يجري في هذه المسألة على غير ما تقتضيه طبيعة الشاعر الإنسان.
ومن منا يجهل بيتيه السائرين في مطلع قصيدته المعروفة:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل * عفاف وإقدام وحزم ونائل أعندي، وقد مارست كل خفية، * يصدق واش، أو يخيب سائل!
في سقط الزند قصيدتان موضوعهما الفخر، ولكن قصائد غيرهما جاءت في الديوان في مواضيع أخرى، يطلع الفخر أثناء أبياتها، لمناسبة حينا، ولغير مناسبة حينا. وفخر أبي العلاء تبدو فيه من المتنبي نفحة ظاهرة، ولعل قصيدة ألا في سبيل المجد أدل على هذه النفحة المتنبية، سواء برويها الصاخب وبعروضها المجلجل، أم بكبرياء التحدي ممتلئة بها أوداج شاعر المعرة، تشبها بكبرياء صاحبنا أبي الطيب شاعر الفرسان، وفارس الشعراء...
وإني وإن كنت الأخير زمانه * لآت بما لم تستطعه الأوائل لقد قال المعري هذا الكلام وهو في عنفوان حيويته، وفي عز إقباله على الدنيا، وله في الحياة آمال كبار، وأمامه دنيا بغداد لما تزل يومئذ دنيا أحلامه، فكان طبيعيا أن يزهو هذا الزهو كله، وليس في ذاك عاب يعيبه، فقد كان شاعرا، وكان يستشعر في ذاته أمرا غير عادي، وكانت نفسه أشواق أبكار لما تمتحنها التجربة الكبرى المنتظرة، وكانت شهرة ذكائه وتفوقه في الحفظ والفطنة تكتسح بلاد الشام وتجاوزها إلى العراق ومصر، وتتضخم في طريقها إلى الناس حتى تبلغ حدود الأساطير، ولعلها كانت وهي تجوب الآفاق، ترجع إلى مسمعه بضجتها وضخامتها الأسطورية، فينتشي بها، ويزهى بنفسه،
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370