مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٤٤
وإذا كان هذا الأمر صحيحا بالنسبة لتيار الرابطة الاسلامية في الهند البريطانية الذي تزعمه محمد علي جناح والذي أدى إلى انفصال باكستان فان هذه التجربة الباكستانية وإن حملت عنوان الاسلام شكلا والقومية مضمونا لا يمكن تعميمها على البلاد العربية. فالرابطة العربية هنا والتي يعبر أحيانا عنها بالعروبة وأحيانا أخرى بالقومية العربية دون استدعاء المعاني الغربية لها هي دعوة لرابطة توحيد ورد على سياسة التفسيخ والتجزئة التي استخدمها المستعمرون منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن وكرسوها كامر واقع مفروض أو كمشاريع تذهب نحو مزيد من التجزئ والتفكيك كما نلاحظ الآن على الساحة اللبنانية (1).
وفي إيران وتركيا كان التيار الاسلامي يواجه الفكر القومي الآري انطلاقا من الاختلاف في تعيين مرجعية الأفكار وتعيين أصولها ومصادر استلهامها.
فالفكر القومي الآري ارتبط بمرجعيتين متعارضتين مع العمل الاسلامي. فهو من جهة يتماهى مع الحضارة الآرية التي تستحضر في الصورة التاريخية زمنا تركيا أو إيرانيا ساد في مرحلة ما قبل الاسلام، وهو من جهة أخرى ينجذب نحو تقليد أنموذج حضاري غربي حديث ساد في مرحلة السيطرة الاستعمارية على الشعوب الاسلامية. وكان أهم هذين النموذجين: نظام الشاه في إيران، ونظام آتاتورك في تركيا.
ولذلك كان من الطبيعي أن يتخذ العمل الاسلامي في كل من إيران وتركيا وجهة معادية للفكر القومي باعتباره فكرا أوروبيا وآريا معاديا للاسلام.
يقول مرتضى المطهري، أحد كبار مفكري الثورة الاسلامية في إيران معبرا عن إشكالية الموقف الاسلامي الإيراني في التصور القومي هناك: إذا تقرر أن يكون الأساس في تعيين حدود الأمة الإيرانية هو العنصر الآري، كانت النتيجة في نهاية الشوط الاقتراب من العالم الغربي. وكان لهذا الاقتراب في سيرتنا القومية والسياسية تبعات وآثار أخطرها الانقطاع عن الأمم المسلمة المجاورة غير الآرية والارتباط بأوروبا والغرب... وعلى العكس من ذلك تماما فيما إذا جعلنا ملاك أمتنا نظامنا الفكري والسلوكي والاجتماعي لهذه القرون الأربعة عشر الأخيرة، إذ يكون لنا آنذاك سيرة وتكاليف أخرى مغايرة لما سبق ويصبح حينذاك العرب والترك والهند والأندونيسيون والصينيون المسلمون بالنسبة إلينا أصدقاء بل أقرباء (2).
ويمكن أن نخلص إلى القول أن الوعي القومي المتشكل لدى الأقوام الاسلامية غير العربية بدءا من تركيا إلى الهند مرورا بإيران كان يتخذ صيغا فكرية وسياسية معادية للاسلام أو بعيدة عنه. كان ذلك شان الحالة الفارسية الآرية والحالة الطورانية التركية، أو حتى شان الحالة الانفصالية الباكستانية التي حصرت الاسلام في مفهوم سوسيولوجي إقليمي فبدت انشقاقية وبعيدة عن المفهوم الوحدوي الاسلامي للدعوة.
ومن هنا فان تمايز هذه الحالات ليدعو إلى التمييز أيضا في الحالات العربية.
إن الحالتين الطورانية التركية والفارسية الآرية تتشابهان على المستوى العربي مع الحالات الإقليمية العربية كالحالة المصرية الفرعونية، والحالة اللبنانية الفينيقية والحالة السورية الآشورية مع اختلاف العمق في التمثيل واختلاف أهمية كل من هذه الحضارات في التاريخ.
أما فيما يخص حالة العروبة وإذا استثنينا التعبيرات الجزئية القومية التي سعت إلى الابتعاد عن الاسلام في بعض المناطق ولدى بعض النخب فان العروبة كانت مندمجة دائما في الاسلام بل كانت هي حضور الاسلام المتجدد في اللسان والقرآن والتراث. ومن هنا فان التيارات الاسلامية العربية المعاصرة لا تجد في العروبة المسلمة خصما. ذلك أن العروبيين إذا ما انفصلوا عن الاسلام لن يجدوا في انفصالهم مبررا أو مرجعا إلا عودتهم إلى عروبة جاهلية قبلية أو تماهيهم مع أنموذج قومي عنصري يستلهمون منهجه من نظريات أوروبية درست.
إن المعركة التي تفتعل اليوم بين العروبة والاسلام أو بالأحرى بين التيارات القومية وبين التيارات الاسلامية في بلاد العرب إنما تعود إلى التباسات في الفهم النظري وإلى أخطاء في استراتيجيات العمل السياسي وخططه.
التباسات تعود إلى أن أنظمة دعت نفسها إسلامية، استتبعت إلى الغرب وكانت جزئا من استراتيجيته في مواجهة حركات التحرر الوطني تحت غطاء محاربة الشيوعية، وإلى أن أنظمة دعت نفسها قومية وكانت قطرية في توجهها واستبدادية في علاقتها بجماهيرها وعاجزة عن خوض المعركة القومية التي ادعت القيام بأعبائها.
وأخطاء في استراتيجيات العمل السياسي تعود إلى ردود فعل متسرعة يلجأ إليها كل طرف وقد يخترقها العدو أو يوظفها باتجاه الدفع بالصراع نحو مزيد من التفكيك والتجزئ.
وهكذا وبسبب الالتباس والخطأ والفعل ورد الفعل تقوم تيارات قومية وإسلامية بتبادل التهم وتحميل وزر الخطأ إلى بعضها البعض. فيحمل الاسلام وزر أخطاء قوى اجتماعية سياسية في مرحلة تاريخية ماضية، وتحمل العروبة وزر أخطاء نظام سياسي معين وقوى سياسية عربية معينة.
وهكذا أيضا تتعمق المفارقة الحادة بين الفكر الوحدوي الذي يرفده الاسلام والعروبة معا وبين العمل السياسي الحزبي بشقيه الاسلامي والقومي. فالحزبية سواء كانت قومية أو إسلامية توظف الفكر في مشاريعها التكتيكية السياسية والسلطوية الخاصة. فان اختلفت هذه المشاريع أخضع الفكر للاختلاف والانشقاق والتجزئ. ويبقى مع ذلك للفكر والوحدوي الذي يستلهم التوازن والعدل من المفهوم القرآني للأمة الوسط حيز من الاستقلالية الذي يمتنع عن الإخضاع لمنطق العمل الحزبي والسلطوي.
ولنا من جمال الدين الأفغاني عبرة في القدرة على تجاوز الاختلاف في الانتماءات القومية في العالم الاسلامي. فلم ينحصر تأثير جمال الدين الفكري في نطاق قومي معين. لقد أثر في العرب بقدر ما أثر في الإيرانيين والأتراك والأفغان وغيرهم. وقد قيل إن جمال الدين لم يكن يرغب في أن يعرف نفسه إلى الناس منتميا إلى أمة معينة من المسلمين، مخافة أن يعطي بذلك حجة بيد المستعمرين

(1) من هنا تأتي ردود الفعل من قبل القومين العرب الذين لا يفصلون بين العروبة والإسلام على هذه الأطروحات اللاتاريخية التي يعممها كليم صديقي في مؤتمراته الخاصة في لندن.
(2) مرتضى المطهري، الإسلام وإيران، ص 22.
وهنا لا بد من الاستدراك أن ثمة تعبيرات قومية - إسلامية إيرانية موجودة على الساحة الإيرانية لا ترى تناقضا بين الإيرانية والإسلامية. ولا تكون بعيدين عن الواقع إذا قلنا أن التيار الإسلامي نفسه في إيران مليء بالتعبيرات القومية الإيرانية. كالإصرار مثلا على وصف بعض المعالم الجغرافية - التاريخية بالفارسية، وكالاعتزاز بدور الإيرانيين في خدمة الإسلام. وكتاب الشهيد مرتضى مطهري (الإسلام وإيران)، يظهر جهدا علميا كبيرا لإثبات هذه الفرضية اثباتا يدفع بالمؤلف للحديث " بأن الأمة الإيرانية قدمت خدمات للإسلام أكثر من أية أمة أخرى وأن الحضارة الإيرانية القديمة والعريقة قدمت للحضارة الإسلامية الحديثة خدمة كبرى ". الإسلام وإيران، ص 257.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370