مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٤٢
المصالح الاقتصادية لجماعة أو في الدفاع الذاتي وصيانة الحقوق... فإذا زالت الضرورة لهذا النوع من العصبية تبع هو الضرورة في الزوال كما تبعها في الحدوث بلا ريب (1). والمزيل لهذه الضرورة هو معتقد التوحيد الإلهي في الاسلام.
يقول: وتبطل الضرورة بالاعتماد على حاكم تتصاغر لديه القوى وتتضاءل لعظمته القدرة، وتخضع لسلطته النفوس بالطبع، وتكون بالنسبة إليه متساوية الأقدام، وهو مبدأ الكل وقهار السماوات والأرض (2).
وإن التدرج في سلم التوحيد وعلى أساس المبدأ الوظيفي للروابط الصغرى التي تتسع في حقولها التوحيدية إلى وحدة العالمين وفقا للمفهوم القرآني للدعوة الاسلامية يستوعب هنا رابطة العروبة كحاملة دعوة ولسان شريعة ولغة قرآن، لا كرابطة دم وعصبية نسب.
يقول: أن زحف العرب ووفودهم على البلاد إنما كان لتعميم الدعوة الدينية أولا. إن وفود العرب حملت معها أخلاقا فاضلة ظهرت أفضليتها بأجلى المظاهر مثل الأنفة من الكذب، والوفاء بالعهد، ومطلق العدل، وكمال الحرية والمساواة... وإغاثة الملهوف والكرم والشجاعة... لذلك انعطفت قلوب الأمم على استحسان الوافدين من العرب لبلادهم سواء فيه البلاد التي فتحت عنوة ووضعت فيها الحرب أوزارها، أو صلحا، وأول مقدمات العادة الاستحسان ثم المزاولة حتى ترسخ ملكة...
نعم أن أكبر حامل وافعل عامل على تعرب أولئك الأقوام هو الفضائل الأخلاقية والصفات العالية التي كانت تأتي بها العرب مع بأسهم وشجاعة أبطالهم (3).
تلك هي العروبة المقترنة بالرسالة وبالأخلاق والشجاعة والتي يراها جمال الدين حلقة ممهدة للرابطة الاسلامية غير متعارضة معها أو معيقة لها. وهو بذلك يدعو الأقوام الاسلامية الأخرى إلى تعلم العربية لتعميق إسلامها وترسيخه. يقول: أن لكل دين لسانا ولسان دين الاسلام العربي.
فالعروبة بهذا المعنى تشد العرب إلى غيرهم من الشعوب الاسلامية وتشد الشعوب الاسلامية غير العربية إلى العرب. أنها حلقة جذب لا حلقة تنابذ وفي المرحلة التي كتب فيها الأفغاني هذه الكلمات والخاطرات كان الخطر الاستعماري يهدد الشعوب الاسلامية بأسرها كما يهددها اليوم، وكان المستهدف في عملية المواجهة على الجبهة الثقافية وعلى مستوى الاجتماع السياسي في الشرق هو الاسلام بما هو إمكانية جمع وتوحيد وتفجير طاقة ثورية للشعوب. فإذا اقترن الاسلام في هذا السياق بوطنيات هذه الشعوب وقومياتها في مواجهتها لقوى الاحتلال والاستعمار فإنه يتوج بذلك الروابط الجمعية على اختلافها وأوليات الدفاع الاجتماعي الذاتي في حركة جدلية تصاعدية ترقى بالرابطة إلى الأعلى والاسمي والأشمل.
والأفغاني وفقا لهذا المفهوم الاسلامي يقيم خطا للتمييز بين هذا النوع من القوميات أو الوطنيات التي يستوعبها الاسلام وبين النوع الغربي من القوميات التي تتصارع وتتقاتل من أجل التوسع والسيطرة والتي تتناقض مع الدين وفقا لنسق التجربة التاريخية الأوروبية التي أفرزت العلمانية كصيغة حل للصراع بين اللاهوتي والدنيوي، بين الكهنوتي والمدني، بين الدين والعلم. وهذا ما يبرز في رد الأفغاني على ارنست رينان الذي اتهم الاسلام بمناهضته للعلم، والأمة العربية بعدم صلاحية طبيعتها لعلوم ما وراء الطبيعة والفلسفة (4). وفي السجال بين المفكرين يبرز بوضوح اختلاف المفهومين اللذين يتناولان معنى الأمة.
فثمة مفهوم غربي مشحون بعقدة التفوق والتمييز والتصنيف العرقي عند رينان وثمة مفهوم إسلامي مرن ومنفتح ومتدرج ومتداخل عند الأفغاني.
وفي مجال الممارسة السياسية كان الأفغاني نموذجا فعالا في تأكيد مصداقية هذا الفكر. ومن يتابع نشاطه السياسي والدعاوي في العالم الاسلامي يندهش لتلك القدرة الخارقة على الحركة والتأثير والمتابعة التفصيلية لأحداث كل بلد وصياغة الموقف المناسب من كل وضعية والقدرة على الانتقال السريع من قطر إلى قطر.
والأمر الذي يستوقف في كل هذا رؤيته الاستراتيجية الاسلامية الشاملة التي يتكامل فيها الحس التاريخي مع الوعي السياسي والتي تتجلى في تركيزه على دوائر ثلاث كانت قد انطلقت منها مشاريع الدول المركزية في التاريخ الاسلامي ومن خلالها يتم رصد احتمالات المواجهة مع الغرب. وهذه الدوائر هي: مصر، وإيران ومركز السلطنة العثمانية تركيا.
ويتكامل هذا التيار الفكري الاسلامي في أدراجه الأشكال القومي داخل المنطق الاسلامي في نظرية الكواكبي في الجامعة الاسلامية.
فإذا كان الأفغاني قد اقترح أن تبقى السلطنة العثمانية في قلب هذه الجامعة وإطارها فان الكواكبي يقترح أن تنتقل الخلافة إلى إمام عربي قرشي (5) وأن تتشكل جامعة إسلامية يتصور مؤتمرها التحضيري في أم القرى، كما يتصور توزيع وظائفها وفقا لأهليات وخصال الأقوام المسلمين. إذ يقترح الكواكبي وظائف معينة في الجامعة الاسلامية تناط بكل شعب من شعوبها (6).
وإذا كان التصور هذا، يشكو من طوباويته على صعيد الواقع السياسي فإنه على الأقل وعلى صعيد المنهج يدعو إلى اعتماد نظرة وظائفية في التعامل مع خصوصيات الأقوام الاسلامية، نظرة تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن في وحدة الجامعة الاسلامية حيث لا تطغى عصبية على عصبية وإن تسترت بالاسلام كصبغة دينية كما كان يقول ابن خلدون.
وستزداد معاناة هذا التيار الاسلامي في مواجهته لحل هذا الاشكال القومي مع تفاقم أزمة الدولة العثمانية وتحولها التدريجي إلى دولة قومية تركية.
فهو يراهن على احتمال الاصلاح الدستوري كصيغة متلائمة مع الشورى في الاسلام ولا يلبث أن تصدمه حركة التتريك وسياسة جمال باشا الدموية فيراهن على احتمال لاحياء الاسلام من الحجاز ثم تحبطه اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور... ويعود ليتوجه بالأنظار إلى تركيا وبالتحديد إلى حركة مصطفى كمال فيتوسم في هذا الأخير أملا في انقاذ ما يمكن انقاذه. ويدفعه الأمل بان يتصل بالترك لترميم العلاقات العربية التركية وحتى لاقتراح أن تبقى الخلافة فيهم، بل وحتى أن يعود مصطفى كمال إلى الاسلام ليبايع سلطانا على المسلمين.

(1) المصدر نفسه، ص 34.
(2) المصدر نفسه، ص 34.
(3) المصدر نفسه، ص 316. [*] يقول مرتضى مطهري أن الفرس " لم يكونوا يعدون العربية لغة العرب فحسب بل لغة الإسلام والمسلمين عامة " فهي " لغة إسلامية أميمة عالمية ". الإسلام وإيران، ص 66.
(4) الأعمال الكاملة ص 322.
(5) ينطلق بعض الباحثين من هذا الاقتراح ليرى في الكواكبي داعية للقومية العربية على طريقة نجيب عازوري في دعوته عام 1905. وفي هذا التأويل بعد عن الحقيقة التاريخية وتشويه لآراء الكواكبي.
(6) الكواكبي، أم القرى، ص 355 - 366.
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370