مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٢٨
حضرت فكنت في بصري مقيما * وغبت فكنت في وسط الفؤاد وما شطت بنا دار ولكن * نقلت من السواد إلى السواد وحسبهما دلالة على شاعرية صاحبهما.
تبنين وكانت تبنين قاعدة حكمه، وفيها ملتقى وفاده، وكان قد جدد بناء قلعتها، هذه القلعة التي شهدت أزهى أمجادها أيام سلفه الشيخ ناصيف النصار، ثم حال الزمن بعد استشهاد ناصيف وزالت عن مكانتها حتى أتاها حمد فأعلى بنيانها وأعاد رونقها وجعلها قصرا منيفا هو أشبه ما يكون بالبلاط الملكي برجاله وشعرائه وبطشه واعتداده.
وكان للشعر نصيب في تجديد القلعة إذ أشار الشعر إلى ماضيها وأرخ تجديدها في أبيات وجدت في بعض المخطوطات العاملية دون أن يعرف ناظمها، وهي مثال لشعر التاريخ في ذلك العصر، جاء فيها:
حصن تبنين رفيع شامخ * شاده بالعز غوث المسلمين ذاك ناصيف ملاذ الملتجي * مامن الخائف غيث المعتفين وبه نالت فخارا عامل * ذكره باق لها في الآخرين ما الذي حل بها من بعده * ودهاها من فعال الجائرين جدد اليوم لها الفخر فتى * عود السيف على قطع الوتين دارة البدر لقد جددها * حمد القوم لأمن الخائفين مربعا للعز قد شاد لنا * ناصر الاسلام غوث العالمين يا لها من قلعة تاريخها * تبنين برج السعد حصن المؤمنين لون من الشعر وشعر التاريخ هو في الأغلب متكلف غير مطبوع، وقد زاد على ذلك بيت التاريخ في هذه القطعة أنه جاء خارجا عن الوزن بزيادة الباء والنون في كلمة تبنين، وذلك ليستقيم التاريخ فيأتي مطابقا لسنة البناء 1258 هجرية. ونحن حين ننشر هذه القطعة إنما ندل على فن من فنون الشعر كان مما تعاطاه شعراء حمد، ونقدم أنموذجا من اللون الشعري في ذلك العهد كما نستخلص منه المرارة التي ظل يحسها العامليون طوال العهود مما جناه أحمد باشا الجزار على بلادهم، وكان منه تهديم القلعة واستشهاد صاحبها، على يد من وصفهم الشاعر بالجائرين. ولذلك لم يستطع الشاعر المؤرخ، وهو يبتهج بتجديد القلعة ويهنئ مجددها إلا أن يتذكر ما نال بلاده ومنها القلعة من الجور، وإلا أن يشير إلى ما كانت عليه بلاده من المنعة والاعتزاز قبل ذلك، فأصر على أن يقرن إشادة ناصيف لها بكلمة العز ثم على أن يشير إلى الصفة البارزة في حمد وهي قطع الوتين بالسيف.
والأبيات بمجموعها ترينا الروح التي كانت سائدة في بلاط حمد من تباه بالماضي. تباه ممزوج بالحسرة على ما عاد إليه ذلك الماضي، ثم عودة إلى التباهي بالحاضر الذي يجدد ما انهدم من الحصون، ويجرد ما انغمد من السيوف.
طرائق الشعر في هذا العصر وليست هذه الأبيات وحدها هي التي ترينا ذلك بل أن الكثير من الشعر الذي نظم يومذاك يرينا عين الأمر، ويرينا كيف أصبحت تبنين مرمى الأبصار، ومنتجع الآمال، فهذا الشيخ صليبي الواكد شاعرنا الذي مر ذكره يرسل إلى حمد أبياتا هي في الواقع الصورة الواضحة لاحساس الناس ومظاهر الحياة، بعد أن امتشق الجبل السيف وخاض المعارك وانتصر، وبنى حاكمه أمره على القوة العسكرية والسلاح الحربي، فغدا ذلك هو موضوع المدح، وهو المآثر التي تذكر للممدوح.
جد المسير إلى تبنين تلق بها * شهما إلى ذروة العيوق مرقاه قد أصبحت من نداه روضة وغدت * حصنا مكينا وعين الله ترعاه ربيعها حمد المنهل من يده * غيث لو الزمن استسقاه رواه مولى له خضعت هام الملوك وقد * ساس الأمور فأضحت طوع يمناه ليث براثنه البيض الرقاق ومن * يلقى الألوف فتخشى هول لقياه فاسلم بعز ومجد غير منقطع * مليك فضل وشكر من رعاياه فالحديث في هذا الشعر هو عن الحصن المكين وخضوع هام الملوك والبيض الرقاق ولقيا الألوف وإقامة عمود المجد.
مضافا إلى الحديث عن الندى الذي لا بد منه لمن كانت له مثل هذه المواقف. ثم ذكر كلمة مليك في آخر الأبيات موصوفا بها حمد.
هذي هي روح شعر المدح في معظم شعراء حمد كما سنرى فيما بعد، وهذه مظاهر الشعور في ذلك العهد.
على أننا لا بد لنا من التساؤل عن الحقيقة فيما جاء في البيت الأخير من شكر الرعايا لهذا المليك.
والحقيقة التي لا شك فيها أن حمدا قد استحق أول الأمر شكر الرعايا فعلا، بما حققه لهم من إزاحة ذلك الكابوس الذي سامهم من الضيم ما لم يتعودوا... ولكن إلى متى استمر ذلك الشكر...؟
حركة شعبية هذا ما تجيب عليه الأحداث التي توالت بعد ذلك، فيبدو أن حمدا، وقد انتصر فيما أقدم عليه، ثم تعزز بتعيين الدولة له حاكما مطلقا على الجبل ووقوفها من ورائه تسنده وتؤيده ثم بالتفاف الناس حوله وابتهاجهم بما فعل.
يبدو أن حمدا وقد حاز كل ذلك، راح ينطلق فيما يجر إليه هذا التفرد بالسلطة والتملك للقوة، فمال إلى الطغيان والاستهتار بالشعب والعبث فيه. ويبدو أن الشعب أو الرعايا كما عبر عنهم أبو واكد لم يتحملوا ذلك، كما يبدو أن الحملة المصرية بما رافقها من تنبه الشعور العام وما صاحبها من تغلغل أفكار جديدة وأساليب حديثة لم يكن للبلاد عهد بها من قبل، يبدو أن ذلك قد ساعد على عدم التحمل، فقامت حركة شعبية هي الأولى من نوعها في جبل عامل تنادي بالتخلص مما يجري، وتجمع الناس بقيادة الحاج قاسم الزين وألفوا وفدا ضخما قصد إلى بيروت وحملوا معهم دلائل من الزروع المتلوفة بفعل إقدام الصيادين من الحكام وقابلوا والي ولاية الشام الذي كان قد حضر إلى بيروت وشكوا له ما يلقى الناس من المتسلطين. ويورد أحد المؤرخين العامليين شكواهم بهذه العبارات: شكوا لوالي الشام حينما حضر إلى بيروت من حمد البيك وقالوا إن العشائر وعلى رأسهم حمد البيك فضلا عن ظلمهم وتعديهم على الفقراء والفلاحين قد أتلفوا المزروعات بالصيد والقنص. وحملوا معهم شيئا من الزرع المتلف وأروا الوالي إياه.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370