مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٣٢
أم للسميد بلحم الني منجبلا * ورب واضع زيت فيه يكرمني فهو هنا يسخر من هذه الأطعمة الشعبية العاملية ويخص بالسخرية الكبة النية متهكما على هذا الذي يرى أن في وضع الزيت على الكبة إكراما للضيف.
ولعل في الجيل الحاضر من يجهل بعض هذه المأكولات التي انقرضت فيما انقرض في القرى، والتي أدركناها نحن وتذوقناها واستطبنا بعضها.
وإذا كنا نسامح شاعرنا على ما فرط في حق الجبل مقدرين الظروف التي قد تكون هي التي أثارته فانفلت لسانه بما انفلت به. فإننا نود لو استطعنا أن نذكره بان هذه الأطعمة التي تحدث عنها لم تكن حتما هي كل ما تناوله على موائد الجبل، بل نحن على يقين بأنها لم تمر عليه إلا لماما، وإنه إنما تذوقها مستطلعا، وإلا فأين هي موائد حمد البيك وحسين السلمان وتأمر السلمان وعلي الأسعد والسيد محمد الأمين التي كانت ولا شك هي الموائد التي عرفها أكثر مما عرف غيرها، والتي لم تشهد لا الترمس ولا البلوط ولا البليلة ولا بقلة الفول ولا البربورة.
على أن شاعرنا الذي قال ما قال في ساعة غضب ونقمة هو نفسه الذي قال غير هذا القول في غير ساعات الغضب وساعات النقمة، وهو نفسه الذي يقول عن جباع ومواقعها ومياهها:
أبا الفردوس وجدك أم جباع * وفي كلتيهما تهوى الخلودا ولو كنت المخير في خلودي * فعن جبع وحقك لن أحيدا أأعدل بالمشارع ما سواها * وقد أخذت على الصفو العهودا وقد شهدت برأس العين عيني * غصونا خلتها حملت عقودا وبعد أن يثني على المكان ما شاء له الثناء، يتمم ثناءه ليشمل السكان:
ولا برحت بال الحر تسمو * دعائم للمكارم لن تميدا وإننا ونحن ممن يأخذون بالقول المأثور: الحسنات يذهبن السيئات، نرى أن بيتا واحدا من أبيات هذه القصيدة يمحو كل سيئات القصيدة السابقة فكيف بحسنات قصيدته الأخرى الحائية الفائقة التي أبرزته على حقيقته حين أرسل نفسه على سجيتها فأطنب ما شاء له الاطناب في الحنين إلى جبل عامل بعد فراقه له والثناء على أهله والتغني بلبنان مما لم يلحقه فيه لاحق. وإننا نورد القصيدة كلها كما هي فهي خير دليل على ما طبعت عليه نفس هذا الشاعر من وفاء أصيل ونفس كريمة:
سامر يلحو وأشواق تلح * هاجها من ظن أن العذل نصح نهب الصبر إدكاري سرحة * عند لبنان لها في القلب سرح لست أنساها ليال سلفت * ألف صبح لي بها والدهر صلح وشموس الراح تجلى كلما * غاب صبح قام يجلو الكاس صبح ومغان نقلت عنها الصبا * خبر الند وفيه طال شرح فضضت جيد الربى أزهارها * وعليه من سقيط الطل رشح نقط الطل على أوراقها * وله في الرمل أسقاط وطرح يغمز الدهر علينا طرفه * وبعينيه لعين النجم طمح نحن والورق اقتسمنا لهونا * فلنا شطح وللورقاء صدح كلنا في الغصن إلا أننا * ما علينا لو نروم الوصل جنح فإلى كم ومنائي عهدها * يثبت العزم وكف الحظ تمحو ليث شعري، والأماني سلوة * هل لها وصل وهل للهم نزح يا أوداي بسفحي عامل * إن شوقي عامل والدمع سفح هل وفى بالعهد من بعدكم * مدمع سح وقلب لا يصح هاكم دمعي فقد أشهدته * وله من الخد تعديل وجرح من لمشتاق لكم من بعدكم * بات ساهي الطرف والشوق يلح فكرة تمضي وتأتي فكرة * والدجى إن يمض جنح يأت جنح حارب الجفن الكرى ليتهما * عرفاني هل يرى للسلم جنح لا رعاني المجد إن لم يرني * ولخيلي في ربى لبنان سبح ومن القبلي من شاطئه * خبر المجد وعندي فيه شرح برجال لم يثنهم لو ولا * فيهم يلفى بغير العرض شح آل همدان هم لا غيرهم * وكفاهم من أمير النحل مدح قد أبت إلا المعالي مسلكا * ولهم في متجر الايمان ربح كم لهم في الدين من سابقة * ساقها أيد من الله ونجح كلما استنصرها داعي الهدى * جاءه نصر من الله وفتح بين حمد وسيف الدولة قلت إن بلاط حمد كان أقرب إلى أن يكون بلاطا حمدانيا. وقلت إن متنبي هذا البلاط هو الشيخ حبيب الكاظمي ويمكن أن يقال إنه الشيخ علي سبيتي.
ولكن إذا أخذنا ما كان بين الكاظمي وحمد من ود عريق ثم من عتاب شديد ثم من تنافر عنيف، كانت حياة الكاظمي عند حمد هي الأقرب إلى الشبه بحياة المتنبي عند سيف الدولة. وقد رأينا فيما تقدم صورا من التواصل والتقاطع، وسنرى هنا صورة أوضح للصلة الوثيقة بين الرجلين: الأمير والشاعر، هذه الصورة التي تعيد علينا بعض مشاهد الماضي بين سيف الدولة وشاعره المتغني بوقائعه، الواصف لمعاركه.
فقد ساقت الأقدار حمدا ليكون من بين أسرته مشاركا في أضخم أحداث عرفها عصره، أحداث مصيرية في حياة الدولة، وأن تكون مشاركته مشاركة عملية فعالة، قاد فيها الجيوش وحمل السلاح وقاتل وانتصر.
وهنا يبرز الشبه من جديد بين الأميرين الحمداني والوائلي، بعد أن برز الشبه بينهما في الشاعرية واحتضان الشعراء. ثم يبدو الشبه أكثر بروزا في تباري شعراء حمد بوصف معاركه، كتباري شعراء سيف الدولة في وصف معاركه. وهنا يبرز متنبي حمد بقصيدته الميمية، التي لا تطاولها في قصائد شعراء حمد إلا قصيدة السبيتي الميمية أيضا. ومن هنا كانت حيرتنا في أي من الشاعرين يمكن أن يكون متنبي هذه البلاط.
يبتدئ الكاظمي قصيدته ابتداء ضاحكا ممتلئا حبورا، ولا بدع فان الفوز كان جديرا بان يوحي بذلك، ويجيء الاستهلال لا مجيئا غزليا، بل مجيئا مستلهما من طبيعة الحياة الجبلية العاملية التي لا تشكو شيئا كما تشكو فقدان الماء النابع، والتي لا تبشر بشئ أحلى عندها من أن تبشر بهطول المطر بعد الانحباس. ويختصر الشاعر هذه البشري بشطر واحد ينتقل بعده رأسا إلى الدعوة للأخذ بما تقتضيه البشرى من البهجة والانشراح:
بشرت بالمزن أرواح النعامى * فأجل لي الكاس على أيدي الندامى
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370