مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٢٥
قصائده ما لمحناه في شعر الحاريصي من العنفوان العسكري الصلب، على أن مدائحه تنصب في مضمونها على ما لممدوحيه من معارك ووقائع:
فلست ترى إلا سلاحا على الثرى * وخيلا بها فقر إلى كل راكب وأعجب شئ أن خمسين فارسا * تمزق ألفي فارس بالقواضب وهكذا يقول أيضا:
فثار إليه الجيش من كل جانب * فلست ترى إلا سيوفا عواريا ولست ترى إلا قتيلا وهاربا * ومنجدلا يشكو الجراح وعانيا وبينما هو على هذه الحال إذ تقع المحنة الكبرى بمباغتة أحمد باشا الجزار لجبل عامل وأخذه على حين غرة قبل أن تجتمع جموعه فيكون بذلك القضاء المبرم على قوة الجبل وحيويته وهنا يعود الشيخ إبراهيم يحيى شاعر تلك النكبة، نكبة البلاد بعامة، ونكبته هو بخاصة فنسمع منه شعر الرثاء والحنين والتوجع:
غرام وتشتيت وشوق مبرح * فلله ما يلقى الفؤاد المقرح فيا أيها الناؤون عني عليكم * سلام يمسي حيكم ويصبح تحية مشتاق يكني عن الهوى * حياء ولكن الدموع تصرح ويقول:
سقى الله هاتيك البلاد وأهلها * ملث الغوادي من لجين وعسجد ورد إلى أوطانه كل شاسع * يكابد ذلا بعد عز موطد ويقول وهو في العراق:
أشيم بروق الشام شوقا إليكم * وهيهات من دار السلام سام ويقول:
أكفكف دمع العين وهو غزير * وأكتم نار القلب وهي تفور وأنتشق الأرواح من نحو عامل * وفيها لمثلي سلوة وسرور منازل أحباب إذا ما ذكرتهم * شرقت بماء المزن وهو نمير خليلي أن الظلم طال ظلامه * فهل من تباشير الصباح بشير ويقول:
مضى ما مضى والدهر بؤس وأنعم * وصبر الفتى أن مسه الضر أحزم يعز علينا أن نروح ومصرنا * لفرعون مغنى يصطفيه ومغنم ويقول:
غريب يمد الطرف نحو بلاده * فيرجع بالحرمان وهو همول وهكذا يقدر للشيخ إبراهيم يحيى أن يكون شعره صورة الحياة العاملية في تلك الأيام بكل ما فيها من أرزاء وفواجع ودموع.
الشيخ محمد علي خاتون (1) ومن شعراء أواخر القرن الثالث عشر نذكر ابن قرية جويا الشيخ محمد علي خاتون، ويكفي هذا الشاعر أنه استوحى طبيعة بلاده في قصيدة جاءت كما نعبر عنه في هذا العصر ونطلبه من الشعراء وهو ذات وحدة في الموضوع. والواقع أننا نلمس تقصيرا بارزا في الشعراء العامليين في مختلف العصور، هذا التقصير هو أن طبيعة الجبل لم تكن مصدرا لالهامهم فلم يخص واحد منهم واديا من الأودية الجميلة ولا ذروة من الذروات السامقة ولا ثنية من الثنايا البديعة، ولا شيئا في هذا الجبل من زهر وشجر وورد ونبع ونهر، لم يخص واحد منهم شيئا من هذا بقصيدة أو مقطوعة. والذين وصفوا قلعة الشقيف مثلا إنما وصفوها عرضا وهم يمدحون أمراءها.
ولكن الشيخ محمد علي خاتون تميز بان وادي الحجير الجميل ونبعه وجدوله أوحت له بقطعة شعرية لم يدخل فيها إلا وصف وادي الحجير ونبعه وجدوله فقال:
هذا الحجير فرو منه غليلا * واحبس ركابك في رباه طويلا نهر يزول صدى القلوب بمائه * فاق الفرات محاسنا والنيلا واد غدت فوق الغصون بدوحه * تشدو البلابل بكرة وأصيلا إن ضل قاصده الغداة طريقه * كان الأريج به عليه دليلا واد سقته المعصرات وأمطرت * فيه الهتان المرزمات سيولا فلكم أقمنا للشباب بظله * أودا وكم فيه اتخذت مقيلا والروض باسمة هناك ثغوره * جر الندا من فوقهن ذيولا إننا نرى في هذه الأبيات دليلا على تحسس الشاعر بما حبا الله بلاده من جمال طبيعي، وإذا عرفنا أن نهر الحجير هو جدول يجري شتاء ويستمر حتى أواخر الربيع ثم ينضب، إذا عرفنا ذلك عرفنا شغف الشاعر ببلاده إلى حد جعل عنده شبه النهر فيها يفوق بمحاسنه الفرات والنيل.
على أن من أصدق ما في هذه الأبيات، قوله:
واد سقته المعصرات وأمطرت * فيه الهتان المرزمات سيولا فتدفق وادي الحجير إنما يكون إذا سقته المعصرات، وأمطرت فيه المرزمات.
والشيخ محمد علي خاتون هو مع غيره حصيلة النهضة الشعرية الجديدة التي تمخضت عنها البلاد بعد انجلاء غمة الجزار وزوال ذاك الكابوس المخيف الذي لم يبق ولم يذر، والذي قضى على المدارس والمعاهد وعطل فيما عطل الدراسات وشرد العلماء وغير العلماء.
الشيخ صليبي الواكد (2) وفي هذا القرن يبرز الشيخ صليبي الواكد المعروف بأبي واكد الذي ينتمي إلى أسرة حمد نفسها والذي كان يسكن في قرية قانا.
ومن المؤسف أنه لم يصلنا من شعر أبي واكد إلا القليل، بل ما دون القليل، وهو كل ما عثر عليه في بعض المجاميع الخطية القديمة، ولا شك أن لهذا الشاعر شعرا كثيرا ذهبت به الأيام. وما وصلنا من شعره يمثل فنا لطيفا من فنون الشعر هو فن الإخوانيات ولكنه إلى ذلك يدلنا على الكثير من العادات والأوضاع والصلات التي كانت تسود المجتمع العاملي.
عاش هذا الشاعر في عصر حمد المحمود المعروف بحمد البيك (3) والمكنى بأبي فدعم والذي كانت تبنين له مقرا. وأرسل حمد البيك في أحد الأيام إلى قريبه أبي واكد أجراس أسبر ليضعها عند الصائغ مخول في قانا فلما تمت

(1) راجع ترجمته في الصفحة 10 من المجلد العاشر.
(2) راجع ترجمته في الصفحة 390 من المجلد السابع.
(3) هو حفيد الشيخ محمود النصار المعروف بأبي حمد، الذي كان تابعا لأخيه الشيخ ناصيف النصار وقد قتل في حياته ومن أجله.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370