الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٩
فهذا كل ما موهوا به من إيراد الحديث الذي قد أوضحنا، بحول الله تعالى وقوته، أنه كله حجة عليهم، وموجب لابطال القياس، وكل من له أدنى حس يرى أن إيرادهم ما أوردوا لا طريق للقياس فيه، ولأنهم يوهمون الضعفاء أننا ننكر تشابه الأسماء ونحن، ولله الحمد، أعلم بتشابه الأسماء منهم وأشد إقرارا به منهم. وإنما ننكر أن نحكم في الدين للمتشابهين في بعض الصفات بحكم واحد من إيجاب أو تحريم أو تحليل بغير إذن من الله تعالى، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا أنكرنا، وفي هذا خالفنا، لا في تشابه الأشياء، فلو تركوا التمويه الضعيف لكان أولى بهم.
وادعى بعضهم، دون مراقبة، إجماع الصحابة رضي الله عنهم على القول بالقياس، وهذه مجاهرة لا يعدلها في القبح شئ أصلا، وباليقين نعلم أن ما روي قط عن أحد من الصحابة القول بأن القياس حق بوجه من الوجوه، لا من طريق تصح، ولا من طريق ضعيفة، إلا حديثا واحدا، نذكره إن شاء الله تعالى بعد فراغنا من ذكر تمويههم بدلائل الاجماع، وهو لا يصح البتة.
ولو أن معارضا يعارضهم، فقال: قد صح إجماع الصحابة على إبطال القياس، أكان يكون بينه وبينهم فرق في أنها دعوى ودعوى؟ بل إن قائل هذا، من إجماعهم على إبطال القياس، يصح قوله ببرهان نذكره إن شاء الله تعالى.
وهو أنه قد صح بلا شك عند كل أحد من ولد آدم يدري الاسلام والمسلمين، من مؤمن أو كافر، أن جميع الصحابة مجمعون على إيجاب ما قال الله تعالى في القرآن مما لم يصح نسخه، وعلى إيجاب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنه لا يحل لاحد أن يحرم ولا يحلل، ولا أن يوجب حكما لم يأت به الله تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في الديانة، وعلى أن رسول الله لم يلبس على أمته أمر دينها، وأنه صلى الله عليه وسلم قد بينه كله للناس، وهذا كله مجمع عليه من جميع الصحابة أولهم عن آخرهم بلا شك. ولولا ذلك ما كانوا مسلمين، فإن هذا مجمع عليه بلا شك، فهذه المقدمات مبطلة للقياس، لأنه عند القائلين به حوادث في الدين لم ينزل الله تعالى فيها حكما في القرآن بينا، ولا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكمها بنصه عليها، وهذا ما لا يشك مسلم أن الصحابة لو سمعوا قائلا يقول بهذا لبرئوا منه.
(٩٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 974 975 976 977 978 979 980 981 982 983 984 ... » »»
الفهرست