الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٥
حرمه، لان الله تعالى حرم وأوجب وأحل، وكل ذلك تعد لحدود الله تعالى.
وموهوا أيضا بأن قالوا: لو كان العلم كله جلي لاستوى العالم والجاهل في البيان، ولو كان العلم كله خفيا لاستوى العالم والجاهل في الجهل به، فصح أن بعضه جلي وبعضه خفي، فوجب أن يقاس الخفي على الجلي.
قال أبو محمد: وهذا كلام في غاية الفساد، لأنه إذا كان بعضه جليا وبعضه خفيا، فالواجب على أصلهم هذا الفاسد أن يستوي العالم والجاهل في تبين الجلي منه، وأن يستوي الجاهل والعالم في خفاء الخفي منه عليهما أيضا، فبطل العلم على أصلهم الخبيث الظاهر الفساد.
وأما نحن فنقول إن العلم كله جلي بين، نعني علم الديانة، قال تعالى: * (تبيانا لكل شئ) * وقال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نزل إليه، ومن قال غير هذا فهو كافر بإجماع الأمة فإذا قد صح أنه عليه السلام قد بين ما نزل إليه والمبين بين، والحمد لله رب العالمين، لمن يعلم اللغة التي بها خوطبنا. وإنما خفي ما خفي من علم الشريعة على من خفي عليه، لاعراضه عنه وتركه النظر فيه وإقباله على وجود الباطل، التي ليست طريقة إلى فهم الشريعة، أو لنظره في ذلك بفهم كليل، إما لشغل بال أو مرض أو غفلة، ولو لم يكن علم الدين جليا كله ما أمكن الجهل فهم شئ منه أبدا، نعني مما يدعون أنه خفي، فلما صح أن العالم ممكن له إقامة البرهان وإيضاح ما خفي على الجاهل حتى يفهمه ويتبين له، صح أن العلم كله جلي بين نعني علم الديانة، والحمد لله رب العالمين.
وموهوا أيضا بما روي من قول نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثناه عن عبد الله بن ربيعة التميمي، ثنا محمد بن إسحاق بن السليم، ثنا ابن الأعرابي، ثنا سليمان بن الأشعري، ثنا حفص بن عمر العوضي، عن شعبة، عن أبي عون، عن الحارث ابن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله عز وجل، قال: فإن لم تجد في كتاب الله عز وجل؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال: اجتهد رأيي ولو آلو: قال: فضرب
(٩٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 970 971 972 973 974 975 976 977 978 979 980 ... » »»
الفهرست