الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٧
الأعور وغيره ممن شهد عليه بالكذب، فلا يجوز أن تؤخذ رواية عن مجهول لم يعرف من هو ولا ما حاله. ولقد لجأ بعضهم إلى أن ادعى في هذا الحديث أنه منقول نقل الكافة قال أبو محمد: ولا يعجز أحد عن أن يدعي في كل حديث مثل هذا، ولو قيل له: بل الحديث الذي جاء من طريق ابن المبارك: إن أشد الفرق فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام هو من نقل الكافة أكان يكون بينه وبين فرق؟. ولكن من لم يستح قال ما شاء، ولكن الذي لا شك فيه أنه من نقل الكواف كلها نقل تواتر يوجب العلم الضروري، فقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) *. فهذا هو الذي لا شك في صحته، وليس فيه الرد عند التنازع إلا إلى الله تعالى، وهو القرآن، وإلى الرسول، وهو كلامه صلى الله عليه وسلم ولا أذكر القياس في ذلك، فصح أن ما عدا القرآن والحديث لا يحل الرد إليه عند التنازع، والقياس أصلا ليس قرآنا ولا حديثا، فلا يحل الرد إليه أصلا، وبالله تعالى التوفيق.
مع أن هذا الحديث الذي ذكرنا من طريق معاذ لا ذكر للقياس فيه البتة بوجه من الوجوه، ولا بنص ولا بدليل، وإنما فيه الرأي، والرأي غير القياس، لان الرأي إنما هو الحكم بالأصلح والأحوط والأسلم في العاقبة، والقياس هو الحكم بشئ لا نص فيه بمثل الحكم في شئ منصوص عليه، وسواء كان أحوط أو لم يكن أصلح، أو لم يكن كان أسلم أو أقتل، استحسنه القاتل له أو استشنعه.
وهكذا القول في قوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ليس فيه للقياس أثر، لا بدليل ولا بنص ولا للرأي أيضا لا يذكر ولا بدليل بوجه من الوجوه، وإنما فيه إباحة الاجتهاد فقط.
والاجتهاد ليس قياسا ولا رأيا، وإنما الاجتهاد: إجهاد النفس، واستفراغ الوسع في طلب حكم طلب النازلة في القول والسنة، فمن طلب القرآن وتقرأ آياته، وطلب في السنن وتقرأ الأحاديث في طلب ما نزل به، فقد اجتهد، فإن وجدها منصوصة فقد أصاب فله أجران أجر الطلب وأجر الإصابة، وإن طلبها في القرآن
(٩٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 972 973 974 975 976 977 978 979 980 981 982 ... » »»
الفهرست