الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٨
والسنة فلم يفهم موضعا منهما، ولا وقف عليه، وفاتت إدراكه، فقد اجتهد فأخطأ فله أجر. ولا شك أنها هنالك إلا أنه قد يجدها من وفقه الله لها، ولا يجدها من لم يوفقه الله تعالى لها، كما فهم جابر وسعد وغيرهما آية الكلالة ولم يفهمها عمر، وكما قال عثمان في الأختين بملك اليمين: أحلتهما آية وحرمتهما آية، فأخبر أنه لم يقف على موضع حقيقة حكمهما، ووقف غيره على ذلك بلا شك، ومحال أن يغيب حكم الله تعالى عن جميع المسلمين، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا أيضا بما حدثناه أحمد بن قاسم، ثنا أبي قاسم بن محمد، ثنا جدي قاسم ابن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي، نا سعيد بن أبي مريم، أنا سلمة بن علي حدثني الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة قال: حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعلم العلم قبل ذهابه. قال صفوان بن عسال: وكيف وفينا كتاب الله ونعلمه أولادنا؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك فيه، ثم قال: أليست التوراة والإنجيل في أيدي اليهود والنصارى؟ فما أغنت عنهم حين تركوا ما فيهما.
قال أبو محمد: هذا الحديث من أعظم الحجج عليهم في وجوب إبطال القياس، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن من ترك القرآن والعمل به فقد ترك العلم، أو سلك سبيل اليهود والنصارى وأصحاب القياس أهل هذه الصفة، لأنهم تركوا القرآن والعمل به، وأقبلوا على قياساتهم الفاسدة، ونعوذ بالله من الخذلان.
ثم يقال لهم: إنما تعلقتم بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم فعل من حرم التوفيق من أمته في ذلك، بفعل اليهود والنصارى، إذ نبذوا كتابهم، ونحن نقر بصحة هذا التشبيه، وإنما ننكر أن يكون حكم من فعل ذلك من المسلمين كحكم من أشبه فعله من اليهود والنصارى.
وأما أهل القياس فيلزمهم لزوما ضروريا، إذ حكموا للمشتبهين بحكم واحد، أن يحكموا فيمن ترك أحكام القرآن منا بما نحكم به في اليهود والنصارى، من القتل والسبي للذراري والنساء، وأخذ الجزية إن سالموا، فإن تمادوا على قياسهم لحقوا بالصفرية الأزارقة، وعاد هذا من الحكم عليهم في تركهم لاحكام القرآن، والعمل بالقياس وإن جحدوا عن ذلك تناقضوا وتركوا القياس، وبالله تعالى التوفيق.
(٩٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 973 974 975 976 977 978 979 980 981 982 983 ... » »»
الفهرست