الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨٩
قال أبو محمد: ومن أعاجيب أهل القياس: أنهم في هذا المكان يحتجون بأن إمامة أبي بكر كانت قياسا لا نصا، ثم نسوا أنفسهم - أو تناسوا عمدا؟ فإذا أرادوا إثبات التقليد للمصاحب قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.
قال أبو محمد: وهذا أعجب ما شئت منه فإن كان هذا الحديث صحيحا فقد صح النص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافة أبي بكر بعده، ثم على خلافة عمر بعد أبي بكر، وبطل قولهم: إن بيعة أبي بكر كانت قياسا على صلاته بالناس، وإن كان هذا الحديث لا يصح فلم احتجوا به في تقليد الإمام من الصحابة؟
أفيكون أقبح من هذه المناقضات بما يبطل بعضه بعضا؟ ولكن إنما شأن القوم نصر المسألة التي يتكلمون فيها بما أمكن، من حق أو باطل أو ضحكة، أو بما يهدم عليهم سائر مذاهبهم، ليوهموا من بحضرتهم من المغرورين بهم أنهم غالبون فقط، فإذا تركوها وأخذوا في غيرها، لم يبالوا أن ينصروها أيضا بما يبطل قولهم في المسألة التي تركوا، وهكذا أبدا ونعوذ بالله من الخذلان.
واحتجوا بأن أبا بكر قاتل أهل الردة مع جميع الصحابة قياسا على منع الصلاة، واحتجوا في ذلك بما روي من قوله: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، حتى إن بعض أصحاب القياس قال: على هذا عول أبو بكر، لا على الآية التي في براءة.
قال أبو محمد: وهذا من الجرأة واستحلال الكذب، ونسب الضلال إلى أبي بكر بحيث لا مرمى وراءه، ومن نسب هذا إلى أبي بكر فقد نسب إليه الضلالة، وقد أعاذه الله من ذلك، وبيان كذبهم في هذا الاعتراض أوضح من كل واضح لان أبا بكر لم يقل لأقاتلنهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وإنما قال: لأقاتلن المفرقين بين الصلاة والزكاة، وإنما فعل ذلك - بلا شك - وقوفا عند إلزام الله تعالى لنا وللمسلمين قديما وحديثا إذ يقول تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) * فلم يبح الله تعالى لنا ترك سبيلهم إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فهذا الذي حمل أبا بكر على قتالهم لا ما يدعونه من الكذب المفضوح من القياس الذي لا طريق له ههنا.
(٩٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 984 985 986 987 988 989 990 991 992 993 994 ... » »»
الفهرست