الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢٢
فصل في عظيم تناقضهم في هذا الباب قال أبو محمد: وبالجملة فإن مذهبهم في القياس، ومذهبهم في دليل الخطاب ومذهبهم في الخصوص، مذاهب يبطل بعضها بعضا ويهدم بعضها بعضا، وذلك أنهم قالوا في القياس: إذا نص على حكم ما فنحن ندخل ما لا ينص عليه في حكم المنصوص عليه، ونتبع السنة ما لا سنة فيه، فإذا أوجب الربا في البر بالبر أوجبناه نحن في التبن بالتبن، وإذا وجبت الكفارة، على العامد في الصيد أوجبناه نحن على المخطئ، وقالوا في دليل الخطاب: إذا نص على حكم ما فنحن نخرج ما لم ينص عليه من حكم المنصوص عليه، ولا نتبع السنة ما لا سنة فيه.
فقالت طوائف منهم لا نزكي غير السائمة، لأنه ذكرت السائمة في بعض الأحاديث.
وقالت طائفة منهم: لا نأكل الخيل، لأنه إنما ذكر في الآية الركوب والزينة.
وقالت طوائف منهم: لا نقضي بالمتعة إلا التي طلقت ولم تمس ولا فرض لها لان هذه قد ذكرت بصفتها في بعض الآيات.
قال أبو محمد: وهذا ضد قولهم في القياس وإبطاله.
وقالوا في الخصوص: لا نقضي لجميع ما اقتضاه النص، لكن نخرج منه بعض ما يقع عليه لفظ، فقالوا في قوله تعالى: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت) * إنما عنى الذكر من الأولاد دون الإناث.
وقالوا في قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *: إنما عنى من الأحرار لا من العبيد، ومن الأباعد لا من الاخوة والآباء والأبناء والأزواج.
وقالوا في قوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وفي قوله تعالى: * (والجروح قصاص) * لا قصاص من جرح إلا من الموضحة فقط ولا قصاص من متلف ولا من لطم ولا من نتف شعر.
قال أبو محمد: وهذا مذهب يبطل قولهم في القياس وفي دليل الخطاب معا ونحن نرى إن شاء الله تعالى تناقضهم في مذاهبهم هذه في مسألة واحدة.
(٩٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 917 918 919 920 921 922 923 924 925 926 927 ... » »»
الفهرست