الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٣
أن من سبهما أو تبرم عليهما أو منعهما رفده في أي شئ كان من غير الحرام، فلم يحسن إليهما ولا خفض لهما جناح الذل من الرحمة.
ولو كان النهي عن قول: * (أف) *؟ مغنيا عما سواه من وجوه الأذى لما كان لذكر الله تعالى في الآية نفسها، مع النهي عن قول: * (أف) *؟، النهي عن النهر والامر بالاحسان، وخفض الجناح والذل لهما معنى، فلما لم يقتصر تعالى على ذكر آلاف وحده، بطل قول من ادعى أن بذكر آلاف علم ما عداه. وصح ضرورة أن لكل لفظة من الآية معنى غير سائر ألفاظها، ولكنهم جروا على عادة لهم ذميمة من الاقتصار على بعض الآية والاضراب عن سائرها، تمويها على من اغتر بهم، ومجاهرة لله تعالى بما لا يحل من التدليس في دينه.
كما فعلوا في ذكرهم في الاستنباط قول الله تعالى: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * وأضربوا عن أول الآية في قوله تعالى: * (ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر منكم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * وأول الآية مبطل للاستنباط.
وكما فعل من فعل منهم في قول الله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * وأضربوا عما بعدها من قوله تعالى: * (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) *.
قال أبو محمد: ومن البرهان الضروري على أن نهي الله تعالى عن أن يقول المرء لوالديه: (أف ليس نهيا عن الضرب ولا عن القتل ولا عما عدا آلاف، أن من حدث عن إنسان قتل آخر أو ضربه حتى كسر أضلاعه وقذفه بالحدود، وبصق في وجهه فشهد عليه من شهد ذلك كله، فقال الشاهد: إن زيدا، يعني القاتل أو القاذف أو الضارب، قال لعمرو: يعني المقتول أو المضروب أو المقذوف، لكان بإجماع منا ومنهم كاذبا آفكا شاهد زور مفتريا مردود الشهادة فكيف يريد هؤلاء القوم بنا أن نحكم بما يقرون أنه كذب؟. فكيف يستجيزون أن ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بما يشهدون أنه كذب؟ ونحن نعوذ بالله العظيم من أن نقول: إن نهي الله عز وجل عن قول: للوالدين يفهم منه النهي عن الضرب لهما أو القتل أو القذف، فالذي لا شك فيه عند كل من له معرفة بشئ من اللغة العربية أن القتل والضرب والقذف لا يسمى شئ من ذلك فبلا شك يعلم
(٩٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 ... » »»
الفهرست