الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٨
تعالى على الامساك، والامساك على عمومه يقتضي النقير وغير النقير، وأقل من النقير وأكثر منه.
واحتجوا في ذلك أيضا بقول الله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) * وبقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * قالوا: فلم يخص الله تعالى ما قال أولو الامر منا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم مما قالوه بقياس.
قال أبو محمد: هذا الاحتجاج منهم جمع الشناعة والاثم لان الله تعالى لم يأمر قط أولي الامر منا أن يقولوا بآرائهم ولا بقياساتهم، ولا أن يقولوا ما شاؤوا، وإنما أمرهم الله تعالى أن يقولوا ما سمعوا، أو يتفقهوا في الدين الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وينذروا بذلك قومهم، وهذا بين في قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) *، وفي قوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) *، وفي قوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) *، وفي قوله تعالى: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) *. قال أبو محمد: ومن قال بقياسه فقد تعدى حدود الله، وقفا ما لا علم به، وأخبر عن الله تعالى بما لا يعلم أحد ما عند الله تعالى إلا بإخبار من الله تعالى بذلك، وإلا فهو باطل، وقد بينا فيما خلا أن قول الله تعالى: * (أولي الامر منكم) * إنما هو جميع أولي الامر لا بعضهم ولم يجمعوا قط على القول بالقياس، فكيف نكون نحن مأمورين باتباعهم فيما افترقوا فيه؟. وهذا ضد أمر الله تعالى في القرآن وبرهان قاطع وهو أن الله تعالى قال: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وحدود الله تعالى هي كل ما حد وبين فصح أنه ليس لأحد أن يتعدى في شئ من الدين ما حده الله تعالى في القرآن، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالوحي فبطل أن يحمل أولوا الامر على تعدي حدود الله تعالى، لأنه باطل فقد اتفقنا أنهم لا يجمعون على باطل، وكل ما لم يكن من حدود الله تعالى، ووحيه فهو من عند الله ضرورة لا بد من ذلك، وقد قال تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
(٩٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 933 934 935 936 937 938 939 940 941 942 943 ... » »»
الفهرست