الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٧
ذلك، فقد تركوا القياس الذي يقرون أنه حق، فظهر تناقضهم والحمد لله رب العالمين.
وحتى لو لم يرد نص جلي في تحريم الأموال جملة، لكان الاجماع على تحريمها كافيا، ولعلمنا حينئذ أن اسم الاكل موضوع على أخذ منقول عن موضوعه المختص له في اللغة كما تقول العرب، أكلتنا السنة أي أفنت أموالنا، وكما قال الشاعر:
فإن قومي لم تأكلهم الضبع يريد لم تفنهم.
وأما قوله تعالى: * (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) * فإنما حرم قتلهم جملة لغير الاملاق من آيات أخر، وهي قول الله تعالى: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * وبقوله تعالى: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * وبقوله تعالى: * (وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت) * وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام.
وأما قوله تعالى: * (ما يملكون من قطمير) * فإنما أخبر عز وجل في موضع آخر على أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، وما كان هذا فبالضرورة نعلم أنها لا تملك شيئا.
وهكذا الحكم في كل ما موهوا به، فإن الله تعالى قد بين لنا مراده، ولو لم يرد غير النصوص التي ذكرنا لوجب ألا نتعدى البتة إلى ما لم يذكر بها وللزم أن لا نحكم بها أصلا إلا فيما وردت فيه، ومن تعدى هذا فإنه متعد لحدود الله تعالى:
* (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * نعوذ بالله من ذلك.
وأما قول الناس: لا تعط فلانا حبة، فإنما يعلم مراد القائل في ذلك، أمجدا قال ذلك أم هازلا أم مقتصرا على الحبة أم لأكثر منها، بما يشهده من حال الامر في امتناعه وتسهله، وأكثر ذلك فهذا القول من قائله لا يتأتى مجردا البتة. ولا بد ضرورة من أن يقول: لا تعطه البتة شيئا ولا حبة، وربما زاد لا قليلا ولا كثيرا، فهذا هو المعهود من تخاطب الناس فيما بينهم، ومن ادعى غير هذا فهو مجاهر مدع على العقل ما ليس فيه، بل هو مخالف لموجب العقل ولمقتضى اللغة على الحقيقة، وبالله تعالى نعتصم.
فإن ذكروا قول الله تعالى: * (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) * فقد قال تعالى في آية أخرى * (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق) * فنص
(٩٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 932 933 934 935 936 937 938 939 940 941 942 ... » »»
الفهرست