الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٨
فصل قال أبو محمد: والمفهوم من الخطاب هو أن التأكيد إذا ورد فإنه رفع للشغب وحسم لظن من ظن أن الكلام ليس على عمومه، وقد ضل قوم في قوله تعالى:
* (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * فقالوا: إن حملة العرش ومن غاب عن ذلك المشهد لم يسجد.
قال أبو محمد: ويكفي من إبطال هذا الجنون قوله تعالى: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * فليت شعري من أين استحلوا أن يقولوا إن أحدا من الملائكة لم يسجد مع قوله تعالى: * (كلهم أجمعون إلا إبليس) * ومثل هذا من الاقدام يسئ الظن بمعتقد قائله، إذ ليس فيه إلا رد قول الله تعالى بالميت.
وقد رام بعض الشافعيين أن يجعل قول الله تعالى: * (من استطاع إليه سبيلا) * بعد قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * من استطاع إليه على معنى أن ذلك ليس بيانا للذين ألزموا الحج، ولا على أنه موافق لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقال: إن هذا خطاب فائدة أخرى، موجب أن الاستطاعة من غير قوة.
قال أبو محمد: ولسنا نأبى أن تكون الاستطاعة أيضا شيئا غير القوة للجسم، لكنا نقول: إن الاستطاعة كل ما كان سببا إلى تأدية الحج، من زاد وراحلة أو قوة جسم، ولا نقول كما قال المالكيون: إن الاستطاعة هي قوة الجسم فقط، وإن من عدمها وقدر على زاد وراحلة فهو غير مستطيع، ولا كما قال الشافعيون: إنما الاستطاعة إنما هي الزاد والراحلة فقط، وأن قوة الجسم ليست استطاعة، بل نقول: إن قوة الجسم دون الراحلة استطاعة، وإن الزاد والراحلة وإن كان واجدهما مقعد الرجلين مبطل اليدين أعمى، أنه مستطيع بماله، حملا للآية على عمومها مع شهادة قول الله تعالى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لصحة قولنا يعني حديث الخثعمية، وقوله تعالى: * (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) *.
قال أبو محمد: وقد ذكرنا فيما خلا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شئ فأجاب، أن ذلك الجواب محمول على عموم لفظه لا على ما سئل عنه عليه السلام فقط، لأنه عليه السلام إنما بعث معلما، فلا فرق بين ابتدائه بأمر
(٩١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 913 914 915 916 917 918 919 920 921 922 923 ... » »»
الفهرست