الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٣
فصل من هذا الباب قال أبو محمد: كل لفظ ورد بنفي ثم استثني منه بلفظة إلا أو لفظة حتى فهو غير جار إلا بما علق به، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ. ومثل: لا صلاة إلا بأم القرآن ولا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا وهذا هو المفهوم من الخطاب بالضرورة، لأنه نفى قبول الصلاة إلى أن يتوضأ، ووجب قبولها بعد الوضوء بالآية التي فيها: * (إذا قمتم إلى الصلاة) * وبالحديث: من توضأ كما أمر ونفى الصلاة إلا بأم القرآن وأثبتها بأم القرآن، لأنه لا بد لكل مصل من أن يقرأ أم القرآن أو لا يقرؤها. ولا سبيل إلى وجه ثالث أصلا بوجه من الوجوه، والصلاة فرض، فلما لم يكن بد من الصلاة ولم يكن فيها بد من قراءة أم القرآن أو ترك قراءتها، وكان من لم يقرأها ليس مصليا، فمن قرأها فيها فهو مصل بلا شك، وفرض على كل مسلم بالغ أن يصلي كما أمر، ففرض عليه أن يقرأ أم القرآن وهذا برهان ضروري قاطع.
وكذلك نفيه صلى الله عليه وسلم القطع جملة، ثم أوجبه مستثنى في ربع دينار فصاعدا إلا أن هذا لو لم يتقدم فيه نص أو إجماع لم قطعنا إلا في الذهب فقط. ولكن لما قال تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده وأجمعت الأمة على أن حديث ربع دينار لم يقصد به صلى الله عليه وسلم إبطال القطع في غير الذهب وجب علينا أن نستعمل الآية على عمومها، فلا يخرج منها إلا سارق أقل من ربع دينار ذهب فقط. فمن سرق أقل من ربع دينار ذهب فلا قطع عليه، ومن سرق من غير الذهب شيئا، قل أو كثر، أي شئ كان له قيمة وإن قلت، فعليه القطع بالآية والحديث الذي فيه: لعن الله السارق.
قال أبو محمد: ومن أبى هذا فإنما يلجأ أن يقول: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في ذكره ربع الدينار إنما عنى القيمة.
قال أبو محمد: وهذه دعوى لا دليل عليها، وأن من ظن النبي صلى الله عليه
(٩١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 908 909 910 911 912 913 914 915 916 917 918 ... » »»
الفهرست