الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١١
من وجد طولا لحرة كتابية لم يحل له نكاح الأمة المسلمة وحتم أن بعضهم لم يقتل الحر الكتابي المسلم، ولا خلاف بين مسلمين أن الأمة المسلمة خير عند الله عز وجل وعند كل مسلم من كل حرة كتابية كانت في الدنيا أو تكون إلى يوم البعث.
فإن قالوا: فأي معنى أو أي فائدة في قصد الله تعالى بالذكر في الآية المذكورة آنفا عادم الطول وخائف العنت والمحصنة المؤمنة والأمة المؤمنة إذا كان واجد الطول وآمن العنت والأمة الذمية والمحصنة والكافرة سواء في كل ذلك؟.
قال أبو محمد: فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق: هذا سؤال إلحاد، وقد ذكر الله تعالى في بعض الآيات التي تلونا بعض ما ذكره في غيرهن، فلم يكن ذلك متعارضا، وقد قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله) * وليس تخصيصه الذين آمنوا بالذكر ههنا موجبا أن طاعة الله عز وجل لا تلزم الذين كفروا، بل هي لازمة للكفار كلزومها للمؤمنين ولا فرق وقد ذكرنا طرقا من هذا في باب الاخبار وفي باب العموم من كتابنا هذا.
قال أبو محمد: وكذلك قوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * وهم كلهم قد وافقونا على أن كل من لم يخف أيضا ألا يعدل فمباح له الاقتصار على واحدة وعلى ما ملكت يمينه، فتركوا ههنا مذهبهم في دليل الخطاب، وكان يلزمهم ألا يبيحوا الواحدة فقط إلا لمن خاف ألا يعدل.
فإن قالوا: إن ذلك إجماع، قيل لهم: قد أقررتم أن الاجماع قد صح بإسقاط قولكم في دليل الخطاب.
ويقال لهم: سلوا أنفسكم ههنا فقولوا: أي فائدة وأي معنى لقصد الله تعالى بالذكر من خاف أن يعدل؟ كما قلتم لنا: أي فائدة، وأي معنى لقصد الله تعالى بالذكر لمن خاف العنت وعدم الطول؟ وهذا ما لا انفكاك منه، والحمد لله.
فإن قالوا: فهلا قلتم مثل هذا في قوله تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * وقوله تعالى أيضا: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) * وقوله تعالى: * (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) * فتوجبوا إباحة الصيام من وجد الرقبة والهدي؟ قلنا:
لا سواء، والأصل أنه لا يلزمنا صيام فرض أصلا إلا ما أوجبه نص، كما أن
(٩١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 906 907 908 909 910 911 912 913 914 915 916 ... » »»
الفهرست