الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٧
قال أبو محمد: فمما ذكرنا قوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * الجملة المتقدمة لهذا الشرط هي أمره تعالى باستعمال الماء فرضا على كل حال لمن أراد الصلاة الواجبة أو التطوع، فإن تيمم مع وجود الماء والصحة ولم يستعمل الماء كان عاصيا، لأنه لم يأت بما أمر به، ولأنه لم يستعمل ما أمر باستعماله في غسل أعضائه المذكورة في آية الوضوء والغسل، فإن تيمم مع وجود الماء والصحة واستعمل الماء أيضا، كان متكلفا لم يؤمر به، والمتكلف لذلك إن سلم من سلم من الاسم لم يسلم من الفضول وسوء الاختيار، وقد أمر الله تعالى فيه صلى الله عليه وسلم أن يقول * (وما أنا من المتكلفين) * فإن اعتقد وجوب التيمم مع استعمال الماء في حال الصحة ووجود الماء كان عاصيا كافرا، لاعتقاده ما لا خلاف أنه لم يؤمر به وزيادته في الدين وتعديه حدود الله تعالى، فلما بطلت هذه الوجوه كلها لم يبق إلا استعمال التيمم عند عدم الماء المقدور عليه في السفر وعند المرض.
وهكذا القول في قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * إلى منتهى قوله (لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم) * قال أبو محمد: فنظرنا هل نجد جملة متقدمة لإباحة نكاح الفتيات المؤمنات بالزواج، فوجدنا قبلها متصلا بها ذكر ما حرم الله تعالى من النساء من قوله تعالى:
* (حرمت عليكم أمهاتكم) * إلى منتهى قوله: * (والمحصنات من النساء) * فحرم الله تعالى بهذا النص كل محصنة، والاحصان يقع على معان، منها العفة، ومنها الزوجية، ومنها الحرية، فلم يجز لنا إيقاع لفظة * (ة على بعض ما يقع تحتها دون بعض، بالبراهين التي ذكرنا في باب العموم، فحرم بقوله تعالى:
كل عفيفة من أمة أو حرة، وكل حرة، وكل ذات زوج، وقد حرم الزواني من الإماء والحرائر بقوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) * فحرمت كل امرأة في الأرض بهذين النصين إلا ما استثنى من ذلك بنص أو إجماع.
ثم قال تعالى متصلا بالتحريم المذكور غير مؤخر لبيان مراده تعالى: * (الا ملكت
(٩٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 902 903 904 905 906 907 908 909 910 911 912 ... » »»
الفهرست