الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٠
قال أبو محمد: فكلا الفريقين تناقض كما ترى، وحرم بعضهم نكاح الأمة المؤمنة على واجد الطول بحرة كتابية وليس هذا في نص الآية أصلا، وإنما منع من منع من ذلك قياسا للكتابية على المسلمة، وقد أكذب الله تعالى هذا القياس الفاسد بقوله: * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ئ ما لكم كيف تحكمون) * فلو كان القياس حقا لكان ههنا باطلا، وإذا قاسوا واجد الطول للحرة الكتابية على واجد الطول للحرة المسلمة، ولم ينص تعالى إلا على واجد الطول للحرة المسلمة فقط، فهلا فعلوا مثل ذلك، فقاسوا إباحة الأمة الكتابية بالنكاح لعادم الطول لحرة وخائف العنت على إباحة الأمة المؤمنة لخائف العنت وعادم الطول كما فعلوا في التي ذكرنا قبل؟. قال أبو محمد: وهذا مما تركوا فيه القول بدليل الخطاب، لأنه كان يلزمهم على أصلهم أن يقولوا: إن ذكره تعالى: المحصنات المؤمنات دليل على أن الكافرات بخلافهن، ولكن أكثرهم لم يفعلوا ذلك فنقضوا أصلهم في دليل الخطاب.
ونحن وإن وافقنا أبا حنيفة في بعض قوله ههنا، فلسنا ننكر اتفاقنا مع خصومنا في هذه المسائل، وقد يجتمع المصيب والمخطئ في طريقهما الذي يطلبانه، أحدهما بالجد والبحث والعلم بيقين ما يطلب، والثاني بالجد والبحث والاتفاق، وغير منكر أن يخرجهم الرؤوف الرحيم تعالى إلى الغرض المطلوب وإن تعسفوا الطريق نحوه، ولكنهم مع ذلك تحكموا بلا دليل أصلا فقالوا: من كانت عنده حرة فحرام عليه نكاح الأمة، وهذا قول ليس في النص ما يوجبه أصلا، وقولنا في هذا هو قول عثمان البتي وغيره.
وقد روي عن مالك إجازة نكاح الأمة على الحرة إذا رضيت بذلك الحرة، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه نكاح المسلمة والكتابية لواجد طول لحرة مسلمة، وإن لم يخش العنت إذا لم تكن عنده حرة، فيؤخذ من قول كل واجد ما أصاب فيه، فبان بما ذكرنا تحليل الله تعالى حرائر أهل الكتاب وإماءهم في الزواج، وبقي ما ملكت منهن على التحريم لبراهين ذكرناها في باب الاخبار من كتابنا هذا.
ويقال لهم: إنكم منعتم من نكاح الأمة الكتابية، وقلتم: ليست كالأمة المسلمة فنقيسها عليها، وقد تناقضتم فأبحتم نكاح الحرة الكتابية لواجد طول لحرة مسلمة وإن لم يخف عنتا، وحرمتم عليه نكاح الأمة المسلمة حتى أن بعضهم قال: إن
(٩١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 905 906 907 908 909 910 911 912 913 914 915 ... » »»
الفهرست