الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٤
وسلم سها عما تنبه له هذا المتعقب فقد عظم غلطه * (وما كان ربك نسيا) * وليت شعري أي شئ كان المانع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: لا قطع إلا في قيمة ربع الدينار فصاعدا، فيكشف عنا الاشكال، وقد أمره ربه تعالى بالبيان والذي نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه أراد القيمة ولم يبينها فإنما هو تلبيس لا بيان، وقد أعاذ الله تعالى من ذلك.
والحديث الذي فيه ذكر القيمة ليس فيه بيان بأن القطع من أجل القيمة، فليس لأحد أن يقول: إن التقويم كان من أجل القطع، إلا كان لآخر أن يقول: بل لتضمين السارق ما جنى في ذلك.
قال أبو محمد: ثم يقنعوا إلا بأن نسبوا إلى الذي وصفه ربه تعالى بأنه رؤوف بنا رحيم، وأنه عزيز عليه ما عنتنا، إنه زادنا تلبيسا بقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده إنه إنما في بيضة الحديد التي يقاتل بها، وأنه صلى الله عليه وسلم عنى حبلا مزينا يساوي ربع دينار، هذا مع أنها دعاوى بارية عارية من الأدلة، فهي أيضا فاسدة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بهذا عذر السارق وكيف يريد عذره وهو يلعنه؟ وإنما أراد صلى الله عليه وسلم شدة مهانة السارق ورذالته وأنه يبيح يده فيما لا خطب له من بيضة أو حبل، وهذا الذي لا يعقل سواه.
ولهم من مثل هذا، ما ينسبونه إلى مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم غثايث جمة يوقرون أنفسهم عن مثلها، فمن ذلك ما ينسبون إلى الآية التي في الوصية في السفر أن قول الله تعالى: * (وآخران من غيركم) * أي من غير قبيلتكم، وهذا من الهجنة بحيث لا يجوز أن ينسب إلى من له أدنى معرفة باللغة ومجاري الكلام، فكيف بخالق الكلام والبيان؟ لا إله إلا هو.
ومن ذلك قول بعض المالكيين في قوله صلى الله عليه وسلم: للذي خطب المرأة وهو لا شئ معه: التمس ولو خاتما من حديد قال هذا القائل: إنما كلفه عليه السلام خاتما مزينا مليحا يساوي ربع دينار.
(٩١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 909 910 911 912 913 914 915 916 917 918 919 ... » »»
الفهرست