الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٦
الأمانات فلا إيمان له ومن قيل فيه لا أمانة له فهو محمول على كل أمانة لا على بعضها دون بعض.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه فكذلك نقول:
إن الفعل المذموم منه ليس إيمانا، لان الايمان هو جميع الطاعات، والمعصية إذا فعلها فليس فعله إياها إيمانا، فإذا لم يفعل الايمان فلم يؤمن، يعني في تركه ذلك الفعل خاصة، وإن كان مؤمنا بفعله للطاعات في سائر أفعاله، وقد بينا هذا في كتاب الفصل والايمان هو الطاعات كلها، وليس التوحيد وحده إيمانا فقط، فمعنى:
لا إيمان له أي لا طاعة، وكذلك إذا عصى فلم يطع، وإذا لم يطع فلم يؤمن، وليس يلزمنا أنه إذا لم يؤمن في بعض أحواله أنه كفر، ولا أنه لا يؤمن في سائرها لكن فإن قال: أنه إذا لم يطع فلم يؤمن في الشئ الذي عصى به وآمن فيما أطاع فيه فإن قال يلزمكم بهذا أن تقولوا: إنه مؤمن لا مؤمن، قلنا نعم، هو مؤمن بما آمن به، غير مؤمن فيما لم يؤمن به، وهذا شئ يعلم ضرورة، ولم نقل إنه مؤمن لا مؤمن على الاطلاق، وهكذا يلزم خصومنا في مسئ ومحسن ولا فرق.
فإن قلتم: من أحسن في جهة وأساء في أخرى فهو مسئ عاص فيما أساء فيه، ومحسن طائع فيما أحسن فيه، أفترى يلزمكم من هذا أن تقولوا: هو عاص طائع ومحسن مسئ على الاطلاق؟ ونحن لا نأبى هذا إذا كان من وجهين مختلفين ولا نعيب به أحدا.
وأما من قال: لا صلاة لمن لم يقرأ و: لا صيام لمن لن يبيته من الليل إنما معناه لا صلاة كاملة، فهذه دعوى لا دليل عليها، وأيضا فلو صح قولهم لكان عليهم لا لهم، لان الصلاة إذا لم تكن كاملة فهي بعض صلاة، وبعض الصلاة لا تقبل إذا لم تتم، كما أن صيام بعض يوم لا يقبل حتى يتم اليوم، فإن قال: إنما معناه أنها صلاة كاملة، إلا أن غيرها أكمل منها، فهذا تمويه، لان الصلاة إذا تمت بجميع فرائضها فليس غيرها أكمل منها في أنها صلاة، ولكن زادت قراءته وتطويله الذي لو تركه لم يضر، ولا سميت صلاته دون ذلك ناقصة، وقد أمر تعالى بإتمام الصيام وإقامة الصلاة، فمن لم يقمها ولا أتم صيامه فلم يصل ولا صام، لأنه لم يأت بما أمر به، وإنما فعل غير ما أمر به، والناقص غير التام. وقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل
(٩١٦)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الصّلاة (8)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 911 912 913 914 915 916 917 918 919 920 921 ... » »»
الفهرست