الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢٧
ثم قالوا في ذلك بحديث لا يصح فيه من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ.
قال أبو محمد: ولو صح لما كان مانعا من إيجاب الوضوء في مسه بغير اليد، لأنه إنما يكون في هذه الرواية التي احتجوا بها ذكر الافضاء باليد فقط، وكان يكون في الحديث الآخر المس جملة، كما لم يكن في قوله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ ما يوجب إسقاط الوضوء من الريح والغائط، بل كان مضافا إليه ومجموعا معه.
ثم نقضوا هذا فقالوا في حديثين وردا: أحدهما: إذا وقعت الحدود فلا شفعة والآخر: إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فاستعملوا كلا اللفظين ولم يجعلوهما حديثا واحدا، بل أوجبوا قطع الشفعة بتحديد الحدود وإن لم تصرف الطرق، وقالوا: نعم إذا حدث الحدود فلا شفعة وإذا زيد في ذلك فصرفت الطرق فلا شفعة أيضا.
قال أبو محمد: ولم يفعل ذلك الحنفيون ههنا ولكنهم قد نقضوه فيما ذكرنا آنفا من مس الفرج، ونقضه بعضهم في حديثين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما: أنه عليه السلام مسح بناصيته، وفي الآخر: أنه مسح على العمامة فقالوا: هذا حديث واحد، ولا يجزئ المسح على العمامة دون الناصية.
قال أبو محمد: وهذا خلاف ما فعلوا في الشفعة مع أن كون الحديث الذي فيه ذكر الناصية غير الحديث الذي فيه ذكر العمامة، أبين من أن يحتاج فيه كلفة، لان راوي الناصية المغيرة بن شعبة، وراوي العمامة فقط بلال وعمرو بن أبي أمية الضمري معا، فمن ادعى أنهما حديث واحد فقد افترى وقفا ما ليس له به علم، وذلك لا يحل وقد كان ينبغي لهم أن يحكموا المسكوت عنه من المسح على الرأس المستور، بحكمهم على الرجلين المستورين كما حكموا بالمسح على الجرموقين قياسا على الخفين، وكما قاسوا المسح على الجبائر في الذراعين على المسح على الخفين في الرجلين، والجبائر لم يأت ذكرها في نص صحيح أصلا، وإذا جاز عندهم تعويض المسح عليها من غسل الذراعين فتعويض المسح على العمامة من مسح الرأس أولى، لان هذا مسح عوض من مسح، وذلك مسح عوض من غسل، وكان قياس الرأس على الرجلين، لأنهما طرفا الجسد، ولأنهما جميعا يسقطان في التيمم:
(٩٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 922 923 924 925 926 927 928 929 930 931 932 ... » »»
الفهرست