الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٢
فعلمنا أن ما عدا الاكل من اللباس وغيره حرام إذا كان بالباطل، وقال تعالى:
* (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) * فعلمنا أن قتلهم لغير الاملاق حرام، كما هو خشية الاملاق، قالوا: وقول الناس: لا تعط فلانا حبة، فإنه مفهوم منه أن ما فوق الحبة وما دونها داخل كل ذلك في حكم الحبة، قالوا: ومن ادعى من هذه الآي فهم ما عدا ما فيها من غيرها فهو خارج عن المعقول وعن اللغة.
قالوا: وأنتم توافقوننا في كل ما قلنا في هذه الآيات وهذا الفصل، وتقرون معنا بأن ما عدا هذه المنصوصات فإنه داخل في حكمها، قالوا: وهذا إقرار منكم بالقياس، وترك لمذهبكم في إبطاله.
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: * (أم للانسان ما تمنى) * وكل ما ذكروا فلا حجة لهم فيه أصلا، بل هو أعظم حجة عليهم، لأنه ينعكس عليهم في القول بدليل الخطاب، فإنهم، على ما ذكرنا في بابه في هذا الديوان، يقولون:
إن ما عدا المنصوص فهو مخالف للمنصوص، فيلزمهم على ذلك الأصل أن يقولوا ههنا: إن ما عدا * (أف) * فإنه مباح، وما عدا الدينار والقنطار، والاكل، ومثقال الخردلة والذرة، وخشية الاملاق، بخلاف حكم ذلك، فقد ظهر تناقضهم وهدم مذاهبهم بعضها لبعض، ثم نعود فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أما قول الله تعالى: * (ولا تقل لهما أف) * فلو لم يرد غير هذه اللفظة لما كان فيها تحريم ضربهما ولا قتلهما. ولما كان فيها إلا تحريم قول * (أف) *؟ فقط. ولكن لما قال الله تعالى في الآية نفسها: * (وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) *. اقتضت هذه الألفاظ من الاحسان والقول الكريم وخفض الجناح والذل والرحمة لهما، والمنع من انتهارهما، وأوجبت أن يؤتى إليهما كل بر وكل خير وكل رفق، فبهذه الألفاظ وبالأحاديث الواردة في ذلك وجب بر الوالدين بكل وجه وبكل معنى، والمنع من كل ضرر وعقوق بأي وجه كان، لا بالنهي عن قول: * (أف) *؟ وبالألفاظ التي ذكرنا وجب ضرورة
(٩٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 927 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 ... » »»
الفهرست