الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٤
كل ذي عقل أن النهي عن قول ليس نهيا عن القتل ولا عن الضرب ولا عن القذف، وأنه إنما هو نهي عن قول: فقط.
وأما ذكره تعالى القنطار في آية الصداق وآية وفاء أهل الكتاب، فما فهمنا قط أن ما عدا القنطار فهو حكم القنطار من هاتين الآيتين، لكن لما قال تعالى:
* (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) *.
قال أبو محمد: فبهذه الآية حرم على الزوج أن يأخذ مما أعطى زوجته شيئا، وسواء قل أو كثر، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، أو تطيب نفسها كما قال تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * لولا هذه الآية، وما في معناها من سائر الآيات والأحاديث التي فيها تحريم الأموال جملة وتحريم العود في الهبات، لما كان في آية القنطار مانع مما عدا القنطار أصلا.
وبرهان عن ذلك أنه لو شهد شاهدان لزيد: أن له على عمرو قنطارا، وكان في علمهما الصحيح أنه له عليه قنطارين أو أكثر من قنطار أو أقل من قنطار، لكانا شاهدي زور كذابين آفكين، وما علمنا في طبيعة بشر أحدا يفهم من قول القائل أخذ لي عمرو قنطارا، أنه آخذ له أكثر من قنطار، ومدعي هذا مفتر على اللغة ومكابر للحس، داخل في نصاب الموسوسين مبطل للحقائق، ويقال له: لعله تعالى إذا ذكر سبع سماوات، إنما أراد بها خمس عشرة أو أكثر من ذلك، وهذا هو بطلان الحقائق، وفساد العقل على الحقيقة.
وأما الآية التي فيها ذكر الدينار والقنطار في ائتمان أهل الكتاب فقد أخبرنا تعالى أنهم يقولون أو من قال منهم: * (ليس علينا في الأميين سبيل) * ففي هذا استجازة أهل الكتاب لخون أماناتنا، قلت أو كثرت، وقد علمنا بضرورة العقل والمشاهدة، وعلم الناس قبل نزول هذه الآية المذكورة، أن في أهل الكتاب وفي المسلمين أوفياء، يفون بالقليل والكثير، وغدرة يغدرون بالقليل والكثير، لان هذا من صفات الناس، وإن في الناس من يفي بالقليل تصنعا ويخون الكثير
(٩٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 939 ... » »»
الفهرست