الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٥
رغبة، وأن فيهم من يغدر بالقليل خسة نفس واستهانة، ويفي بالكثير مخافة الشهرة أو انقطاع رزقه إن كان لا يعيش في مكسبة إلا بائتمان الناس إياه وهذا كله موجود مشاهد، معلوم بالحس.
فإن قالوا: فما فائدة الآية إذن؟ قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: الفائدة فيها عظيمة، فأول ذلك الاجر العظيم في تلاوتها في التصديق أنها من عند الله عز وجل. وأيضا فالتنبيه لنا على التفكر في عظيم القدرة في ترتيبه لنا طبائع الناس، فمنهم الوفي الكافر، والخائن الكافر، وأيضا فائتمانهم على المال فإن ذلك مباح لنا إذا قدرنا فيهم الأمانة، وإبطال قول من منع من الوصية إليهم بالمال وهذا مثل قوله تعالى: * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) * ومثل قوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) * وقد علمنا ذلك قبل نزول القرآن ولكنه تنبيه ووعظ وتحريك إلى اكتساب الاجر بالاعتبار والفكرة في قدرة الله عز وجل وذكره تعالى القنطار ههنا كذكره السبعين استغفارة في قوله تعالى: * (إن تستغفر لهم سبعين مرة) * وقد سبق في علم الله تعالى أنه سيبين مراده من ذلك أنه تعالى لا يقبل استغفاره لهم أصلا، وقد قلنا غير مرة إن مثل هذا السؤال فاسد، وأنه تعالى لا يسأل عما يفعل، ونحن نسأل عن كل فعلنا وقولنا.
وأما قوله تعالى: * (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) *، وقوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * فإنما علمنا عموم ذلك كله فيما دون الذرة وما فوقها من قوله تعالى: * (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * وبقوله تعالى: * (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) * وبقوله تعالى * (ووفيت كل نفس ما كسبت) * فهذه الآيات بينت أن ما فوق الذرة والخردلة وما دونها محسوب كل ذلك ومجازي به، وكذلك قوله تعالى: * (ان تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) * فإنما علمنا العموم في ذلك من قول الله تعالى: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * فشمل تعالى جميع أرزاق الحيوان في هذه الآية، فدخل في ذلك ما هو دون الخردلة وما فوقها.
(٩٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 930 931 932 933 934 935 936 937 938 939 940 ... » »»
الفهرست