الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣١
قال أبو محمد: فهذه أقسام القياس عند المتحذلقين القائلين به.
وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة، وقالوا: لا يجوز الحكم البتة في شئ من الأشياء كلها، إلا بنص كلام الله تعالى، أو نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من فعل أو إقرار، أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها، متيقن أنه قاله كل واحد منهم، دون مخالف من أحد منهم، أو بدليل من النص أو من الاجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا، والاجماع عند هؤلاء راجع إلى توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابد، من لا يجوز غير ذلك أصلا، وهذا هو قولنا الذي ندين الله به، ونسأله عز وجل أن يثبتنا فيه، ويميتنا عليه بمنه ورحمته. آمين.
وشغب أصحاب القول بالقياس بأشياء موهوا بها، ونحن إن شاء الله تعالى ننقض كل ما احتجوا به، ونحتج لهم بكل ما يمكن أن يعترضوا به، ونبين بحول الله تعالى وقوته بطلان تعلقهم بكل ما تعلقوا به في ذلك، ثم نبتدئ بعون الله عز وجل بإيراد البراهين الواضحة الضرورية على إبطال القياس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فما شغبوا به أن قالوا: قال الله عز وجل: * (ولا تقل لهما أف) * فوجب إذ منع من قول: * (لهما) * للوالدين أن يكون ضربهما أو قتلهما ممنوع، لأنهما أولى من قول: * (أف) * وقال تعالى: * (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * قالوا: فوجب أن ما فوق القنطار وما دونه داخل كل ذلك في حكم القنطار في المنع من أخذه.
وقال تعالى: * (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) * قالوا: فعلمنا أن ما دون مثقال حبة وما فوقها داخلان في حكم مثقال حبة الخردل، أنه تعالى يأتي بها، وقال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ير ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * قالوا: فعلمنا أن ما فوق مثقال الذرة وما دونها يرى أيضا.
وقال تعالى: * (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) * قالوا: فعلمنا أن ما فوق القنطار والدينار وما دونهما في حكم القنطار والدينار، وقال تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * قالوا:
(٩٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 926 927 928 929 930 931 932 933 934 935 936 ... » »»
الفهرست