الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٢
وقال الحسن البصري: يبتاعه بكل ما يملك إن لم يبع منه بأقل.
قال أبو محمد: ولعل من حجة أصحابنا أن يقولوا: إن قوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء) * يقتضي بعموم هذا اللفظ واجده بالابتياع والاستيهاب كما يقول القائل:
أمر كذا موجود في السوق، فيقولوا إن واجده بالابتياع والاستيهاب واجد للماء.
قال أبو محمد: وأما نحن فلا يجوز عندنا بيع الماء البتة بوجه من الوجوه، ولا بحال من الأحوال، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء، فهذا عندنا على عمومه، وقولنا هذا هو قول إياس بن عبد الله المزني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره.
فلا يجوز ابتياع الماء للوضوء البتة ولا للغسل، لأنه منهي عن ابتياعه، وهو غير واجد للماء، فحكمه التيمم إلا أن يتطوع عليه صاحب الماء بأن يهبه إياه، فذلك جائز، وهو حينئذ واجد للماء مالك له، ففرضه التطهر به، وأما من اضطر إلى شرب الماء، وخشي الهلاك من العطش، ولم يجد من يتطوع له بماء يحيي به رمقه، ففرض عليه إحياء نفسه كيف أمكن، بغلبة أو بأخذه سرا مختفيا بذلك، أو بابتياعه، فإذا لم يقدر على غير البيع فابتاعه فهو حينئذ جائز له، والثمن حرام على البائع، وهو باق على ملك المبتاع المضطر، وهو بمنزلة من اضطر إلى ميتة أو لحم خنزير فلم يجده مع ذلك إلا بثمن، ففرض عليه أن يبتاعه لاحياء نفسه. وكذلك ما يبذل من المال في فدى الاسرى، وفي الرشوة لدفع المظلمة، فهذا كله باب واحد، وهو مباح للمعطي وحرام على الآخذ، لان المعطي مضطر، والآخذ آكل مال بالباطل، عاص لله تعالى، نعوذ بالله.
ثم نعكس عليهم اعتراضهم هذا فنقول لهم، وبالله تعالى التوفيق: إن كان هذا عندهم قياسا فيلزمهم أن يقولوا بقول الحسن في ابتياع الماء بكل ما يملك، لأنه واجد له، فلا يسعه التيمم مع وجود الماء، كما يقولون فيمن لم يجد رقبة إلا بكل ما يملك، وهو قادر على اكتساب ما يقوم بقوته وقوت عياله بعد ذلك، فإنه لا يجزيه عندهم إلا ابتياع الرقبة بملكه كله، فإن لم يقولوا في الماء كذلك فقد تناقضوا وتركوا القياس الذي يزعمون أنه دين، وهذا ما لا انفكاك منه.
واحتجوا بقوله تعالى: * (أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) *،
(٩٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 937 938 939 940 941 942 943 944 945 946 947 ... » »»
الفهرست