الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٧
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي الابصار) *.
قال أبو محمد: وهذه هي قاعدتهم بظنهم في القياس، وما كانوا أبعد قط من القياس منهم في هذه الآية، وما فهم قط ذو عقل من قول الله تبارك وتعالى:
* (فاعتبروا يا أولي الابصار) * تحريم مد بلوط بمدي بلوط وما للقياس مجال على هذه الآية أصلا بوجه من الوجوه، ولا علم أحد قط في اللغة التي بها نزل القرآن أن الاعتبار هو القياس، وإنما أمرنا تعالى أن نتفكر في عظيم قدرته في خلق السماوات والأرض، وما أحل بالعصاة كما قال تعالى في قصة إخوة يوسف عليه السلام: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * فلم يستح هؤلاء القوم أن يسموا القياس اعتبارا وعبرة على جاري عادتهم في تسمية الباطل باسم الحق ليحققوا بذلك باطلهم. وهذا تمويه ضعيف، وحيلة واهية، وقد قال تعالى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للانسان ما تمنى) * فأبطل الله تعالى كل تسمية إلا تسمية قام بصحتها برهان، إما من لغة مسموعة من أهل اللسان، وإما منصوصة في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فباطل.
وهل هذه الطريقة، التي سلكوا من التمويه والغش بقلع الأسماء عن مواضعها وتحريف الكلم عن مواضعه، إلا كمن سمى من النخاسين أواريهم بأسماء المدن، ثم يحلف بالله لقد جاءت هذه الدابة أمس من بلد كذا تدليسا وغشا؟
وأهل القياس جارون على هذه الطريقة في تسميتهم القياس عبرة واعتبارا.
ونسألهم في أي لغة وجدوا ذلك؟ وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * فليت شعري أي قياس في قصة يوسف عليه السلام أترى أنه أبيح لنا بيع إخوتنا كما باعه إخوته؟ أو ترى أن من باعه إخوته يكون ملكا على مصر ويغلو الطعام في أيامه.
أو ترى إذ قال الله تعالى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار) * أنه أمرنا قياسا على ذلك أن نخرب بيوتنا بأيديهم وأيدينا قياسا
(٩٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 942 943 944 945 946 947 948 949 950 951 952 ... » »»
الفهرست