الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٠
عبد الوارث، ثنا شعبة بن الحجاج، ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأصابع سواء، الأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء يعني الابهام والخنصر. فانقطع وسكت.
وزاد بعضهم جنونا فاحتج في إثبات القياس بقول الله تعالى: * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) *.
قال أبو محمد: وهذا من الجنون ما هو: لان العبارة إنما هي في اللغة البيان عن الشئ تقول: هذا الكلام عبارة عن كذا، وعبرت عن فلان إذا بينت عنه ولا مدخل للحكم في شئ من ذلك لشئ لم يذكر اسمه في الشريعة بالحكم في شئ ذكر فيها اسمه، فعارضوا بأن قالوا: العبور هو الجواز والتجاوز من شئ إلى شئ، تقول: عبرت النهر. قالوا: والقياس تجاوز شئ منصوص إلى شئ لا نص فيه.
قال أبو محمد: هذا من المكابرة القبيحة، لان هذا من الأسماء المشتركة التي هي مثل ضرب من ضراب الجمل وهو سفادة الناقة وضرب بمعنى الايلام بإيقاع جسم على جسم المضروب بشدة والضرب العمل. وهكذا عبرت الرؤيا فسرتها، وعبرت النهر أي تجاوزته، فهذان معنيان مختلفان، ليس أحدهما من الآخر في ورد ولا صدر، ومصدر عبرت النهر إنما هو العبور ومصدر عبرت الرؤيا إنما هو العبارة ومصدر اعتبرت في الشئ إذا فكرت فيه الاعتبار والعبرة الاسم والعبرة والاستعبار التأهب للبكاء والاخذ فيه، والعبرى نبات يكون على شطوط الأنهار، والعبرانية لغة بني إسرائيل، والعبير ضرب من الطيب.
فإذا قلنا: إن معنى عبرت النهر إنما هو تجاوزته، ومعنى عبرت الرؤيا إنما هو فسرتها، فقد وضح أن هذا غير هذان ولو أن المعبر للرؤيا تجاوزها لما كان مبينا لها، بل يكون تاركا لها آخذا في غيرها، كما فعل عابر النهر إذا تجاوزه إلى البر، والاعتبار أيضا معنى ثالث غير هذين بلا شك، فخلط هؤلاء القوم وأتوا بالسفسطة المجردة، وهو أن يأتي بألفاظ مشتركة تقع على معاني شتى، فيخلط بها على الناس ليوهم أهل العقل أشياء تخرجهم عن نور الحق إلى ظلمة الباطل، وقد حذر الأوائل من هذا الباب جدا، وأخبروا أنه أقوى الأسباب في دخول الآفات على الافهام، وفي إفساد الحقائق، وقد نبهنا نحن عليه في مواضع كثيرة من كتابنا هذا، ومن سائر
(٩٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 945 946 947 948 949 950 951 952 953 954 955 ... » »»
الفهرست