الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٦١
صلى الله عليه وسلم لم يبين تلك الأشياء وتركها مهملة، واحتاجوا فيها إلى قياسهم الفاسد.
وقد بينا الكلام في باب مفرد في ديواننا هذا، وأخبرنا أنه لا يحل لاحد أن يتبع متشابه القرآن، ولا أن يطلب معنى ذلك المتشابه، وليس إلا الاقرار به، وأنه من عند الله تعالى، كما قال عز وجل في آخر الآية المذكورة: * (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) * وأخبر تعالى فيها فقال: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) * فنص تعالى على أن من طلب تأويل المتشابه فهو زائغ القلب، مبتغي فتنة. ونحن نبرأ إلى الله من هذه الصفة، فثبت بالنصوص، ضرورة، أن تأويل المتشابه، لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل وحده فقط، لان ابتغاء معرفته حرام، وما حرم ابتغاء معرفته فقد سد الباب دون معرفته ضرورة، إذ لا يوصل إلى شئ من العمل إلا بعد ابتغائه، فما حرم ابتغاؤه فلا سبيل إلى الوصول إليه، وهذا بين لا خفاء فيه، وطرق المعارف معروفة محصورة، وهي: الحواس والعقل اللذان ركبهما الله في المتعبدين من الحيوان، وهم الملائكة والجن، ومن وضع من ذلك فيه شئ من الانس، ثم ما أمر الله بتعرفه وتعرف حكمه فيه، مما جاء من عنده عز وجل، وهو القرآن والسنة فقط، وهذه كلها طرق أمرنا بسلوكها والاستدلال بها، وقد نهينا عن طلب معنى المتشابه، فصح أنه لا يوصل إلى معرفة معناه من جهة شم الحواس، ولا من المعقول ولا من القرآن ولا من السنة، فإذا كان الامر كذلك فلا سبيل لمخلوق إلى معرفته إلا أن الذي صح في الآي المحكمات التي أمرنا الله بتدبرها وبتعلمها، وبطلب تأويلها والتفقه فيها. فطاعة القرآن فيما أمر الله تعالى فيه ونهى، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الذي أمر فيه ونهى وترك التعدي لهذه الحدود، وبطلان ما عداها، فبطل القياس ضرورة لأنه غير هذه الحقائق، والحمد لله رب العالمين.
واحتجوا فقالوا: حرم الله تعالى لحم الخنزير فحرمتم شحمه والأنثى منه، وهذا قياس.
قال أبو محمد: وهذا ظن فاسد منهم، ومعاذ الله أن نحرم شحم الخنزير وأنثاه بقياس، بل بالاجماع الصحيح وبالنص في القرآن، ولو كان الشحم كحكم اللحم لوجب، إذ حرم على بني إسرائيل الشحم، أن يحرم عليهم اللحم، فإذا لم يكن ذلك فقد صح أن الشحم لم يحرم من الخنزير قياسا على اللحم.
(٩٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 956 957 958 959 960 961 962 963 964 965 966 ... » »»
الفهرست