الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٨
قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطأ، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
قال أبو محمد: فصح يقينا أن المرمية هي الفروج خاصة، وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج إلا ما عداها، وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفروج خاصة لا زنا سائر الأعضاء، ولا زنى النفس دون الفرج، فلا حد في النص كما أوردنا، في زنى العينين، ولا في الرجلين، ولا في زنى اللسان، ولا في زنى الاذنين، ولا في زنى القلب الذي هو مبعث الأعمال، وصح أن من رمى العينين بالزنى أو رمى الرجلين بالزنا أو رمى القلب بالزنى، أو رمى الاذنين بالزنى، أو رمى اليدين بالزنى، أو رمى أي عضو كان بالزنى ما عدا الفرج - فليس راميا، ولا حد عليه بالنص، لان الفرج إن كذب فهو كله لغو. فصح يقينا أن الرمي الذي يحد فيه الحدود ورد الشهادة والتفسيق، إنما رمي الفروج بلا شك، بيقين لا مرية فيه، فإذ ذلك كذلك فقد صح أن مراد الله تعالى بالحدود ورد الشهادة في الآية المتلوة، إنما هي رمي الفروج فقط، فصح قولنا بيقين لا مجال للشك فيه، وهذا إذ هو كذلك ففروج الرجال والنساء داخلات في الآية دخولا مستويا.
ثم نسألهم فنقول لهم أخبرونا عن قول الله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * إذ قلتم أنه تعالى أراد بهذه اللفظة ههنا النساء فقط، هل أراد الله أن يحد قاذف الرجل أم لا؟ ولا بد من إحداهما، فإن قالوا: لم يرد بقوله تعالى فقد حكموا على أنفسهم أنهم يحكمون بخلاف ما أراد الله تعالى، وكفونا أنفسهم.
وإن قالوا: إن الله تعالى أراد أن يحد قاذف الرجل، قلنا لهم: إن هذا عجب أن يكون تعالى يريد في دينه وعلمه من عباده أن يحد قاذف الرجل، ثم لا يأمرنا إلا بحد قاذف النساء فقط، حاشا لله من ذلك، فإنه تلبيس لا بيان، فإن قالوا: اقتصر على النساء ونبهنا بذلك على حكم قاذف الرجال قلنا لهم: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولم تأتوا بأكثر من الدعوى الكاذبة التي فيها خالفناكم، فإن كانت عندكم حجة من نص جلي على صحة هذه الدعوى، وإلا فهي كذب بحت، ولستم بصادقين فيها بنص القرآن، قالوا: الاجماع قد صح على وجوب حد قاذف الرجل.
(٩٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 953 954 955 956 957 958 959 960 961 962 963 ... » »»
الفهرست