الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٦٢
ومن الطرائف أن المحتجين بهذا يقولون، أو أكثرهم، إن الشحم جنس غير اللحم ويجيزون رطل لحم برطلي شحم، حتى إن جمهورهم، وهم صحاب أبي حنيفة، يرون شحم الظهر غير شحم البطن، فيجيزون رطل شحم بطن برطلي شحم الظهر والمالكيون والشافعيون والحنفيون يجيزون رطل شحم الغنم برطلي شحم الإوز فأين هذيانهم، إنه إنما حرم شحم الخنزير قياسا على لحمه؟. والشافعيون والحنفيون والمالكيون يقولون: من حلف ألا يأكل شحما فأكل لحما فإنه لا يحنث، ولا خلاف بينهم أن من قال لآخر: ابتع لي بهذا الدرهم لحما فابتاع له به شحما فإنه ضامن.
فبطل قياسهم البارد إن الشحم من الخنزير مقيس على لحمه، ولا خلاف بينهم أن العظم لا نسبة بينه وبين اللحم، ولا يجوز أن يقاس عليه، ونحن وهم مجمعون على أن من سحق عظم الخنزير فاستفه فقد عصى الله تعالى، فصح ضرورة أنه لم يحرم شحمه قياسا على لحمه، ولا أنثاه قياسا على ذكره، وبطل تمويههم والحمد لله.
وإنما حرم شحم الخنزير وغضروفه ودماغه ومخه وعصبه، وعروقه وجلده وشعره وعظمه وعضله وسنه وظلفه، وملكه والأنثى منه ولبنها، بقول الله تعالى: * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * والضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور.
وقد أفردنا لذلك بابا في كتابنا هذا وأقرب مذكور إلى الضمير الذي في (فإنه) هو الخنزير لا اللحم، فالخنزير كله بالنص رجس والرجس كله خبيث محرم بقول الله تعالى: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) * فرجع الضمير في قوله تعالى: إلى الرجس، لأنه تعالى لو أراد الأربعة المذكورة في أول الآية لقال: فاجتنبوها، فلما لم يقل تعالى ذلك، ولم يجز أن يكون الضمير راجعا في قوله تعالى: * (فاجتنبوه) * إلى الشيطان. لأننا غير قادرين على اجتنابه، صح ضرورة أنه راجع إلى الرجس وعمل الشيطان، فكان الرجس كله محرما، وهو من وعمل الشيطان محرم مأمور باجتنابه، فكل ما كان رجسا فهو باجتنابه، والخنزير رجس فكله محرم مأمور باجتنابه، وكذلك الخمر والميسر والأنصاب، والأزلام، وكل رجس بالنص المذكور، وبالله تعالى التوفيق.
(٩٦٢)
مفاتيح البحث: الأكل (2)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 957 958 959 960 961 962 963 964 965 966 967 ... » »»
الفهرست