الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥١
كتبنا، وقد بينا ذلك في كتاب التقريب، ولم نبق فيه غاية، وبالله تعالى التوفيق.
ثم مع ذلك لم يقنعوا بهذا الباب من الباطل، حتى زادوا عليه زيادة كثيرة، وهو أنهم سموا القياس عبرة جرأة وتمويها، والتسمية في اللغة والكلام المستعمل بيننا كله لا تخلو من وجهين لا ثالث لهما:
أحدهما: اسم سمع من العرب، والعرب لا تعرف القياس في الاحكام في جاهليتها، لأنهم لم يكن لهم شريعة كتابية قبل محمد صلى الله عليه وسلم، فبطل أن يكون للقياس عندهم اسم.
والقسم الثاني: اسم شرعي أوقعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على بعض أحكام الشريعة، كالصلاة والزكاة والايمان والكفر والنفاق، وما أشبه ذلك، وتعالى الله ورسوله عن أن يقيسا، فبطل أن يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سميا القياس عبرة، فهذان القسمان من الأسماء لازمان لكل متكلم بهذه اللغة، ولكل مسلم، وأما الأسماء التي يتفق عليها أقوام من الناس التفاهم في مرادهم، فلذلك لهم مباح بإجماع، إلا أنهم ليس لهم أن يلبسوا بذلك على الناس.
وهم في أعظم إثم وحرج إن سموا ما يخالفهم فيه غيرهم باسم واقع على معنى حقيقي ليلزموا خصومهم قبول ما خالفهم فيه، تمويها على الضعفاء، وعدوانا كمن سمى الخمر عسلا يستحلها بذلك، لان العسل حلال، فبطل أن يسمي القياس عبرة أو اعتبارا، وعلمنا أن أصحاب القياس الذي أحدثوا هذه البدعة هم الذين أحدثوا له هذا الاسم كما أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يأتون في آخر الزمان يسمون الخمر بغير اسمها ليستحلوها بذلك، فقد فعل أصحاب القياس ذلك بعينه، وسموا الباطل عبرة واعتبارا لهم ليصبح لهم باطلا بذلك لان العبرة حق: * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) *، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بآبدة أنست ما قبلها، وهو أن بعضهم استدل على صحة القياس بقول الله تعالى واصفا لأمر آدم عليه السلام، إذ تكشفت عورته عند أكل الشجرة فقال تعالى: * (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) *.
قال أبو محمد: إنما شرطنا أن نتكلم فيما يعقل، وأما الهذيان فلسنا منه في شئ
(٩٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 946 947 948 949 950 951 952 953 954 955 956 ... » »»
الفهرست