الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٥
وجميع النبات، وهذا مما لا يقوله إلا ممرور، وإنما أخبر تعالى في كل هذه الآيات بأنه يحيي الأرض ويحيي الموتى ويقدر على كل ذلك، لا على أن بعض ذلك مقيس على بعض البتة.
وذكروا أيضا في ذلك قول الله تعالى: * (ويقول الانسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) *، وبقوله تعالى:
* (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم قال أبو محمد: هذا هو إبطال القياس على الحقيقة، لأنه لا سبيل إلى أن يخلق ثانية من نطفة، ولا من علقة، ولا من مضغة، فإنما معنى هذه الآية: من الله تعالى علينا وتذكيره لنا بقدرته على ما يشاء لا إله إلا هو. وكذلك الآية التي قبلها: أن الانسان لم يك شيئا، ثم خلق، ولا سبيل إلى أن يعود لا شئ أبدا، بل نفسه عائدة إلى حيث رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، ويعود الجسم ترابا، ثم يجمعان يوم القيامة فيخلد حيا باقيا أبد الأبد بلا نهاية ولا فناء، في نعيم أو عذاب فبطل القياس ضرورة من حيث راموا إثباته تمويها على اغترابهم.
وهذه الآيات كلها هي بمنزلة قوله تعالى: * (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها) * فإنما بين قدرته على ما شاهدنا، وعلى ما أخبرنا به مما لم نشاهد وهذا إبطال للقياس ولظنون الجهال، لان الله تعالى نص على تشابه الأشياء كلها بعضها لبعض، ولم يوجب من أجل ذلك التشابه أن تستوي في أحكامها، وهذا هو نفس قولنا في إبطال القياس في تسوية الاحكام بين الأشياء المشتبهات، وبالله التوفيق.
ومثل ذلك قوله تعالى: * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح) * وكقوله تعالى: * (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون) * الآيات إلى قوله تعالى: * (كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) *.
قال أبو محمد: ولا شبه أقوى من شبه شهد الله تعالى بصحبته، فإذا كان الله تعالى قد شبه الحياة الدنيا بالنبات النابت من الماء النازل من السماء، فهي أشبه الأشياء
(٩٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 950 951 952 953 954 955 956 957 958 959 960 ... » »»
الفهرست