الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٢
ولا ندري وجه القياس في تغطية آدم عورته بورق الجنة، وليت شعري لو قال لهم خصمهم، مجاوبا لهم بهذا الهذيان: إن هذه حجة في إبطال القياس بماذا كانوا ينفكون منه؟ وهل كان يكون بينه وبينهم فرق.
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام إذ قال:
* (رب أرني كيف تحيي الموتى) *.
قال أبو محمد: وهذه كالتي قبلها، وما يعقل أحد من إحياء الله عز وجل الطير قياسا، ولا أنه يوجب أن يكون الأرز بالأرز متفاضلا حراما، وأن الاحتجاج بمثل هذا مما ينبغي المسلم أن يخاف الله عز وجل فيه، وما بين هذا وبين من احتج في إثبات القياس وفي إبطاله بقول الله تعالى: * (قل أعوذ برب الناس) * فرق، ولكن من لم يبال بما تكلم سهلت عليه الفضائح، وليس العار عارا عند من يقلده، واحتجوا بقول الله تعالى: * (كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) * وبقوله تعالى: * (كأنهن الياقوت والمرجان) *.
قال أبو محمد: وهذا من نحو ما أوردناه آنفا من العجائب المدهشة، بينما نحن في تحريم شئ لم يذكر تحريمه في القرآن والسنة ولا في الاجماع، من أجل شبهه لشئ آخر حرم في النص، حتى خرجنا إلى تشبيه الحور العين بالياقوت والمرجان، فكل ذي عقل يدري أن الياقوت والمرجان يباع ويدق ويسرق، ويخرج من البحر الملح، وأنه لا يعقل ولا هو حيوان، أفترى الحور العين يفعل بهن هذا كله؟
تعالى الله عن ذلك، وقد علم كل مسلم أن الحور العين عاقلات أحياء ناطقات، يوطأن ويأكلن ويشربن، فهل الياقوت والمرجان كذلك؟ وإنما شبه الله تعالى الحور العين بالياقوت والمرجان في الصفاء فقط، ونحن لا ننكر تشابه الأشياء وإنما ننكر أن نحكم المتشابهات بحكم واحد في الشريعة بغير نص ولا إجماع، فهذا هو الزور والإفك والضلال، وأما تشابه الأشياء فحق يقين.
وكذلك شبه الله تعالى بطلان أعمال الكفار ببطلان الزرع بالريح التي فيها الصر فأي مدخل للقياس ههنا؟ أترى من بطل زرعه خالدا في جهنم كما يفعل بالكافر؟
أو ترى الكافر إذا حبط عمله ذهب زرعه في فدانه، كما يذهب زرع من أصاب زرعه ريح فيها صر؟ هذا ما لا يقوله أحد ممن له طباخ.
(٩٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 947 948 949 950 951 952 953 954 955 956 957 ... » »»
الفهرست