الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤١
لو قالوا كما أمرنا تعالى إذا قتلنا الصيد المحرم علينا قتله أن نجزيه بمثله من النعم.
فكذلك إذا قتلنا شيئا من النعم حراما علينا لملك غيرنا له، فواجب علينا أن نجزيه بمثله من الصيد، وأيضا فكما قاسوا ملك الله تعالى الصيود فأوجبوا الجزاء على قاتلها مخطئا، وخالفوا القرآن في ذلك قياسا على ملك الناس، فواجب عليهم على أصلهم الفاسد أن يقيسوا ملك الناس من النعم، ومن الصيد إذا قتله فيلزموه أن يجزيه بمثله، إن كان صيدا فمن النعم، وإن كان من النعم فمثله من الصيد. فهذا حقيقة القياس الذي إن قالوه كفروا، وإن تركوا القياس وتناقضوا ووفقوا في تركهم له، وأيضا فإن كانت هذه الآية متيحة للقياس، فينبغي ألا يكون إلا حتى يحكم فيه ذوا عدل منا، أو يكون عدل ذلك صياما. فهكذا هو الحكم في الآية، وأما الآية المذكورة فلا نسبة بينها وبين القياس البتة، وإنما فيها أن الصيد يكون مثلا للنعم وهذا أمر لا ننكره، فالعالم كله متماثل في بعض أوصافه، وإنما أنكرنا أن نحكم في الديانة شئ لم يأت فيه ذلك الحكم من الله تعالى بمثل الحكم المنصوص فيما يشبهه، فهذا هو الباطل والخطأ والحرام الذي لا يحل وبالله تعالى نتأيد.
واحتج أيضا بعضهم بقول الله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * وبقوله تعالى:
* (فتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) * قالوا: فقستم واجد الثمن للماء والثمن للرقبة، وإن لم يكن عنده رقبة ولا ماء، على من عنده الرقبة والماء، فلم تجيزوا لهما التيمم ولا الصيام.
قال أبو محمد: وهذا من ذلك التمويه المعهود، ويعيذنا الله تعالى أن نقول بالقياس في شئ من الدين، وليس ما ذكروا قياسا ولكنه نص جلي بلا تأويل فيه البتة، لان الله تعالى إنما قال في آية كفارة قتل الخطأ والعود للظهار بعد إيجاب الرقبة.
* (فمن لم يجد فصيام شهرين) * ولم يقل تعالى فمن لم يجد رقبة، ولكنه تعالى أطلق الوجود، فكل وجود يتوصل به إلى عتق الرقبة، فإنه مانع من الصيام، فالواجب اتباعه، لأنه موافق لظاهر الآية الذي لا يجوز خلافه، وهكذا القول في كفارة الواطئ في نهار رمضان، وأما التيمم لمن لم يكن له ماء وعنده ثمن يبتاع به الماء، فإن أصحابنا قالوا ما ذكر هؤلاء، ورأوا واجبا على من وجد ماء للشراء أن يبتاعه بقيمته في الوقت لا بأكثر. وقال غيرهم: بأكثر من قيمته ما لم يجحف به.
(٩٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 936 937 938 939 940 941 942 943 944 945 946 ... » »»
الفهرست